في الوقت الذي يفتقد فيه عالمنا العربي محكمة عدل عربية، ومحكمة عربية لحقوق الإنسان (يوجد نظام لمحكمة عربية لحقوق الإنسان منذ عام 2014 ولكنه لم يدخل حيز النفاذ بعد)، يوجد في القارة الأوروبية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة مجلس أوروبا، ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وها قد قررت عدة دول أوروبية تأسيس محكمة أوروبية جديدة تابعة لمنظمة مجلس أوروبا خاصة بجريمة العدوان على أوكرانيا. ونذكر في هذا المجال أن منظمة أوروبا تضم في عضويتها 46 دولة أوروبية ومقرها مدينة ستراسبورغ بفرنسا، ويجب عدم الخلط بينها وبين الاتحاد الأوروبي.
فقد فوضت لجنة وزراء مجلس أوروبا الأمين العام للمجلس بتوقيع اتفاق مع الرئيس الأوكراني، يهدف إلى تأسيس محكمة خاصة بجريمة العدوان على أوكرانيا، وهو ما تم فعلا بتاريخ 25/6/2025 في حفل رسمي بمقر المجلس.
ستكون المحكمة الخاصة الأوروبية الجديدة مختصة بتحديد المسؤولية الجنائية للأشخاص السياسيين والعسكريين عن الأفعال المتعلقة بجريمة العدوان على أوكرانيا أو الإعداد لها أو شنّها أو تنفيذها، حيث تتمثل هذه الجريمة بقرار اللجوء إلى القوة العسكرية ضد دولة أخرى في انتهاك لمواد ميثاق الأمم المتحدة. وستسعى هذه المحكمة الجديدة إلى سد الثغرات الناتجة عن عدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي لا يمكن لها أن تحدد هذه المسؤولية بسبب حدود الاختصاص القضائي المنطبق على هذه الجريمة وعليه ستقوم هذه المحكمة الخاصة بسد هذه الفجوة.
ويهدف إنشاء المحكمة الخاصة من قبل مجلس أوروبا إلى ضمان طابعها الدولي والمستقل، ويستند اختصاص المحكمة الخاصة إلى الولاية القضائية الإقليمية لأوكرانيا، وسيتم تمويل هذه المحكمة الخاصة ودعمها من قبل الدول الأعضاء في منظمة مجلس أوروبا ومجموعة من الدول الداعمة لهذه المبادرة، من غير الدول الأعضاء في هذا المجلس، ومن قبل الاتحاد الأوروبي أيضا وذلك بالتعاون مع أوكرانيا، ولابد من أن أشير أيضا إلى أن هذا الاتحاد سبق وأسس المركز الدولي لمحاكمة جريمة العدوان على أوكرانيا في لاهاي، وقد ساهم هذا المنتدى في الأعمال التحضيرية لتأسيس هذه المحكمة الأوروبية الخاصة.
وستضم المحكمة الجديدة 15 قاضيا (وهو نفس عدد قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي)، من خلال قائمة بالأسماء يتم اختيارهم بالاقتراع السري، وبالأغلبية المطلقة، ولمدة سبع سنوات غير قابلة للتجديد. وستراعي الإجراءات أمام هذه المحكمة سيادة القانون والقواعد القانونية الدولية لضمان قيام محاكمات عادلة وشفافة، وستتم الاستعانة بمعايير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، كما ستتعاون هذه المحكمة مع المحكمة الجنائية الدولية.
إذا كانت الدول الأوروبية قد نجحت وبدعم من منظمة مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي في تأسيس محكمة أوروبية خاصة جديدة لمحاسبة المسؤولين عن أعمال مرتبطة بجريمة العدوان على أوكرانيا، ألا يحق لنا أن نتساءل: متى سنرى مساعي دول المجتمع الدولي الداعمة للقضية الفلسطينية والمستنكرة للاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي تحدث يوميا على الأراضي الفلسطينية وخاصة قطاع غزة، متى سنرى مساعيها لتأسيس محكمة دولية خاصة لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الانتهاكات وعلى غرار المحكمة الأوروبية الخاصة الجديدة؟
يمكن أن يتم تأسيس هذه المحكمة في إطار دولي جديد بعيدا عن منظومة الأمم المتحدة، وبشكل يتجنب ما يمكن أن يعرقل تأسيس هذه المحكمة الدولية بسبب تحكم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في القرارات المتعلقة بالسلم والأمن الدائمين، والتي تكون دائما تبعا لمصالحها الخاصة، وليس حرصا على احترام المعايير الإنسانية وقواعد القانون الدولي، ويبقى حاليا مثال المحكمة الأوروبية الخاصة الجديدة خير مثال يمكن أن يُحتذى به.
* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا