هل تعلمون أن من أهم نظريات إدارة الوقت «نظرية الطرشي»! Pickle Jar Theory. وهل تعلمون مدى أهميتها في الإدارة؟.. إليكم القصة بالكامل.
يقول لي أحد الأصدقاء: بعد أن نجحت نظريا في امتحان الوظائف الإشرافية لرئيس قسم التربية الإسلامية، وبعد خدمة مضنية تجاوزت 18 سنة وأنا أُدرّس في المرحلة المتوسطة، وبعد أن بلغت الأربعين سنة، أصدرت الوزارة قرارا بإعادة امتحان الكفاءة للناجحين في الوظائف الإشرافية! فتساءلت عن سبب اتخاذ هذا القرار الغريب الذي لا أجد له أيّ مبرر! فتخيل معي، لو أننا طلبنا من خريجي الثانوية العامة الذين لم يتوظفوا بعد، أن يعيدوا دراستهم وامتحاناتهم من جديد، فقط لأن الوزارة ابتكرت آلية جديدة في التقييم!
والسؤال المهم، إذا كانت الآلية القديمة خاطئة، فيجب حتماً إعادة امتحان كل رؤساء الأقسام والمديرين ومساعديهم الذين باشروا أعمالهم قبلنا، لأنهم اجتازوا الاختبار بنفس الآلية الخاطئة التي نجحنا بها!
قلت له: وما هذه الآلية الجديدة؟ قال: هو أن يتم التقييم على أربعة معايير أساسية، وكل معيار له نسبة مئوية للتقييم: (سنوات الخبرة - الامتحان التحريري - الدورات - الشهادات العليا) ثم المقابلة، ويجب أن تكون شهادة الماجستير أو الدكتوراه ممنوحة عن طريق بعثة دراسية! وهنا يتضح الخلل في التقدير، فما الفرق العلمي بين اثنين تخرّجا في الجامعة نفسها، الأول «بعثة دراسية»، والآخر على «حسابه الخاص»؟ هل جهة الابتعاث تفسد التحصيل العلمي؟!
صديقي العزيز، إن كل هذه الشروط ما هي إلا شكليات توحي للعامّة أن الموضوع مهم وتحت السيطرة، فما علاقة الشهادات العليا والدورات النظرية بالشخصية القيادية! لذلك يجب أن تتطور أدوات اختيار الشخص المناسب، الذي يتحلى بالرزانة والنزاهة والقدرة على تحمُّل المسؤولية، والذي يتحلى بالذكاء الاجتماعي ويُحسن التصرف والتعامل مع مختلف الشخصيات.
يا صديقي، إن الشهادات العليا تؤهل صاحبها ليكون باحثا محترفا في البحث العلمي وفي مجاله، أما الدورات النظرية والورش فتُعْطى لمن تنقصه مهارة مُعيّنة. والشخص المعني هو مَن يحدد احتياجه أو مسؤوله المباشر. وهذا ما يوصي به المدربون والخبراء في التنمية البشرية. ويقولون إنها قد تكون مضيعة للوقت والجهد والمال لمن لا يحتاج هذه الدورات.
قلت له: هل تحدثت مع المسؤولين بشأن هذا القرار المثير للجدل؟! قال: نعم، وقلت لهم بشكل خاص إن الاختبار الحقيقي في الإدارة يتضح ويُشاهَد على أرض الواقع، وليس باجتياز المقابلة فحسب، ولا بالشهادات والدورات، وامتحان تحريري أغلب أسئلته من «كتاب الطالب»!
لذلك أقترح أن تكون هناك نسبة مئوية محسوبة من تقييم المعلمين أنفسهم على رؤساء أقسامهم وعلى إداراتهم.
فكم رأينا من أستاذ دكتور لا يعرف (أ، ب) الإدارة في الكليات والوزارات، ولا التعامل مع المرؤوسين، وكم رأينا أصحاب دورات وخبرات لا يتحلّون بأدنى درجات اللباقة الاجتماعية ولا تواضع القائد الواثق بنفسه؟ وكم رأينا من مسؤول خلع قناع النزاهة والعفّة، بعد أن تثبّت رسمياً في منصبه؟ فهل الدورات والامتحانات التحريرية ستنقذنا من هذه الإشكالية؟
يا صديقي العزيز.. يؤسفني أن أقول لك إن أغلب هذه القرارات مضيعة لوقت المعلم والمسؤول، ولكنني مضطر لأن أعمل بها حاليا، حتى أتأهل للمقابلة الشخصية في نظرهم... وها أنا اليوم كما تراني، في دورة تدريب عن «إدارة الوقت»، أتعلّم «نظرية الطرشي» لخدمة الوطن!