قرار وزارة العدل برفع الرسوم والقيم المالية للمهام التي يؤديها السادة الخبراء واللجان المنتدبة للفصل في الأنزعة المعروضة أمام الخبراء، بناء على الأحكام المحالة من الدوائر القضائية مغالى فيه، ويصب في خانة إرهاق المتقاضين من شروط وقيود مالية جديدة قد تنال من حقهم في التقاضي.
لا أحد ينكر دور الوزارة الأخير في تنظيم الرسوم والكفالات، برغم ما حملت تلك الزيادات من العديد من الملاحظات الفنية للزيادات التي ترهق كاهل المتقاضين، إلا أن مثل تلك الزيادات تفهم من جانب آخر بأنها قد تأتي لفكرة الحد من اللجوء إلى القضاء، وليس ضمن جدية التقاضي!
من غير المعقول أن يسدد المتقاضي رسوماً وطوابع تزيد على مئات الدنانير، منها سداد رسوم رفع الدعوى، ثم دفع أمانة الخبير، ثم ترفع تلك الأمانات لمبالغ مالية أخرى نتيجة مباشرة دعاوى الخبرة من السادة الخبراء أنفسهم، سواء لجلسات بدون حضور المتقاضين أو بحضورهم أو لانتقالهم للمعاينة، وكأن أطراف النزاع يسددون فاتورة أداء مرفق الخبراء التابع للعدالة، نظير مثولهم أمام الخبراء وإعداد تقرير بذلك.
ثم إن القرار أورد مغالاة غير مبررة بتقريره سداد رسوم قدرها 5 آلاف دينار إذا كانت الدعوى تنتهي بطلب الخبرة، وتتضمن عبارة «والتقرير بما يسفر عنه تقرير الخبرة»، ومثل تلك المبالغ الكبيرة تجعل المتقاضين يغلقون التفكير بطريق اللجوء إلى القضاء، بعدما أكد مشروع القانون والقرار على غياب فكرة التوازن التي يتعين أن يضمنها التشريع عند تنظيم الرسوم.
إرهاق المتقاضي برسوم رفع الدعاوى المبالغ فيها ثم الرسوم المقررة للسادة الخبراء، دون تفعيل طرق بديلة عن القضاء كنظم تسوية المنازعات والتوفيق والتحكيم والصلح، من شأنه أن يعطل الحق في التقاضي، كما أن تنظيم حق التقاضي لا يتأتى وحده بفرض رسوم كبيرة إنما يكون وفق آليات ونظم أخرى إدارية في رفع الدعاوى وتقرير الخدمات وأسلوب التقاضي وعقد الجلسات عن بعد، سواء أمام المحاكم أو إدارة الخبراء.
كما أن فرض الرسوم الكبيرة على المتقاضي يتضمن أيضاً عقاباً للمتقاضي الذي يرغب في نيل حقوقه عبر القضاء ويجعله مكافأة من جانب آخر لمن يعتدي على حقوق الآخرين، لأن تلك الرسوم الكبيرة ستجعل رافع الدعوى مقيدا بها للمطالبة بحقوقه ونيلها، وسيدرك جيدا المعتدي على الحقوق أن القانون لن يطاله لأن خصمه لن يمارس حقه بسبب ضعف قدرته المالية، ولذا كانت تلك الرسوم المبالغ فيها، سواء أمام المحاكم أو الخبراء، مكافأة له.
وكان حرياً على المشرع أن يعكس الأمر بأن يسمح لرافع الدعوى برفع كل مطالباته، ويلزم الخصم المدين بسدادها ودفعها، وسيدرك كل متهرب من سداد الحقوق والمطالبات أن هناك سيفا مصلتا على رقبته، وهي الرسوم التي يجب دفعها للدولة فيسارع بالوفاء بدين خصمه فوراً.
أخيراً أتمنى من وزارة العدل العمل على مراجعة الرسوم الواردة بالقانون المزمع صدوره، ورسوم الخبراء المقررة، بما يضمن حق التقاضي، وبما يكفل التوازن المنشود في التشريعات المنظمة لحق التقاضي، وحتى لا يكون التشريع معطلاً لحق اللجوء إلى العدالة!