وسط حالة من الغموض المتزايد في ملف التفاوض النووي الإيراني، برز تضارب واضح في التصريحات الإيرانية والأميركية بشأن ما إذا كانت هناك مفاوضات أو حوارات قائمة أو محتملة بين طهران وواشنطن، في أعقاب الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي شنت خلالها الولايات المتحدة غارات على منشآت نووية إيرانية.
وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية الإيراني، كبير المفاوضين، عباس عراقجي وجود مفاوضات مباشرة مع واشنطن، مشدداً على أن «إيران لا تثق بأميركا»، فإن مصادر مطلعة أكدت لـ«الجريدة» أمس الاول، أن محادثات غير رسمية انطلقت بالفعل في دولة أوروبية، بوساطة دولية، تمهيداً لحوار مرتقب بين مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف وعراقجي، الذي أدى أدواراً محورية في مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015.
في المقابل، صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت بأن واشنطن «لا تزال منخرطة في اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع الإيرانيين»، مشيرة إلى أن ويتكوف يواصل جهوده الدبلوماسية مع أطراف متعددة، بما في ذلك القنوات الخلفية الإيرانية في تصريح يناقض إعلان ترامب أنه لم تُجر أي محادثات مع إيران منذ عملية «مطرقة الليل» التي قصف فيها الجيش الاميركي ثلاث منشآت نووية إيرانية هي نطنز وأصفهان وفوردو.
هذا التضارب لا يقتصر على ما يُتداول إعلامياً، بل ظهر بوضوح أيضاً في التصريحات الرسمية الصادرة عن الجانب الإيراني، إذ نقلت وكالة «إرنا» عن عراقجي تأكيده أن «الوقت لم يحن بعد لاستئناف المفاوضات»، مرجعاً ذلك إلى غياب الضمانات الأميركية الأمنية، خصوصاً بعد الهجمات الجوية على منشآت نووية خلال النزاع الأخير. وقال: «لا يمكننا التفاوض تحت القصف».
إلا أن عراقجي عاد وأكد في مقابلة مع شبكة CBS الأميركية أن «أبواب الدبلوماسية لا تزال مفتوحة»، ما يترك الباب موارباً أمام احتمال العودة إلى طاولة الحوار في حال توافرت الظروف السياسية والأمنية المناسبة بما في ذلك حصول إيران على ضمان أمني بأن واشنطن لن تهاجمها مجدداً.
وفي تعليق على الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية، شدد عراقجي على أن «الضربات لم تُزل قدرة إيران على التخصيب، فالتكنولوجيا لا تُقصف»، مؤكداً أن بلاده قادرة على إعادة تشغيل منشآتها المتضررة «في وقت قصير جداً».
وكان نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، قال في مقابلة مع BBC، إن بلاده «لا تزال بانتظار رد أميركي واضح بشأن وقف أي عمل عسكري»، كشرط مسبق لاستئناف المحادثات، مضيفاً أن طهران «أُبلغت شفهياً أن الولايات المتحدة لا تستهدف تغيير النظام أو المساس بالقيادة العليا، لكننا نحتاج إلى ضمانات عملية، لا لوعود كلامية».
في الأثناء، جددت مجموعة الدول السبع في بيانها المشترك دعوتها إلى استئناف عاجل للمفاوضات، مشددة على ضرورة التوصل إلى اتفاق دائم وشامل بشأن البرنامج النووي الإيراني، وعلى أهمية الحفاظ على الاستقرار الإقليمي بعد وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 24 يونيو الماضي.
كما دعت المجموعة إيران إلى استئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أقرب وقت ممكن، وسط تصاعد التوتر بين طهران والوكالة، بعد أن شنّت السلطات الإيرانية حملة سياسية وإعلامية ضد المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، متهمة إياه بـ«الانحياز الصريح لمصلحة إسرائيل» وبـ«تسييس مهام الوكالة التقنية في خدمة أجندات سياسية معادية».
جواسيس
وفي حين تتواصل في إيران حملة اعتقالات واسعة النطاق شملت حتى الآن أكثر من 1300 شخص بتهمة «العمالة لمصلحة إسرائيل» في إطار ما وصفته طهران بـ«تفكيك منظم لشبكات التجسس» التي نشطت خلال فترة الحرب الأخيرة، أعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» اعتقال زوجين في مدينة رعنانا يشتبه في أنهما كانا على تواصل مع الاستخبارات الإيرانية، كما كشفت النيابة العامة في ألمانيا عن توقيف دنماركي للاشتباه في قيامه بالتجسس على مؤسسات يهودية لمصلحة طهران.
وبالتوازي مع التصعيد الأمني، قالت «رويترز» إن مجموعة قرصنة مرتبطة بإيران هددت بنشر محتوى إلكتروني مسروق من مساعدين مقربين من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرة إلى امتلاك المجموعة لأكثر من 100 غيغابايت من الرسائل والمستندات. ويرى مراقبون أن الحرب الإلكترونية باتت تُشكّل جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الرد الإيراني، ضمن ما يُعرف بـ«الردع غير المتماثل»، خصوصاً في ظل تفوق عسكري أميركي ــ إسرائيلي واضح في الميدان.
إعادة الإعمار
وبعد توقف العمليات القتالية، بدأت الحكومة الإيرانية وضع خطط لإعادة إعمار المنشآت المتضررة. وقالت وزيرة الطرق والتنمية العمرانية فرزانة صادق، إن لجان تقييم الأضرار باشرت عملها، وأطلقت الحكومة خطة للتعافي الوطني، في حين أكد نائب الرئيس رضا عارف أن «إيران مصممة على استعادة قدراتها بسرعة، كما فعلت في السابق».