أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية في الكويت ضوابط جديدة للعمل الخيري، في خطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية والانضباط المالي والإداري في الجمعيات الخيرية.

وتأتي هذه الخطوة بعد تأكيد الوزارة في مناسبات عدة أهمية الحوكمة، مما يعكس توجهاً محموداً في تطوير جوانب حوكمة القطاع الخيري.

جوانب إيجابية للضوابط الجديدة

Ad

الضوابط الجديدة للعمل الخيري تضمَّنت عدة نقاط إيجابية، منها:

• استحداث منصبَي مدير الحوكمة، ومدير الامتثال الرقابي، بما يعزز الوظائف الرقابية المؤسسية.

• إلزام الجمعيات بالتدقيق الخارجي، من خلال مدققي حسابات معتمدين لدى هيئة أسواق المال.

• تصنيف الجمعيات إلى ثلاث فئات (ملتزم – ملتزم جزئياً – غير ملتزم) بناءً على مؤشرات رقابية ومالية.

إلا أن هذه الإيجابيات، على أهميتها، لا تخفي عدداً من الملاحظات التي تُضعف من اكتمال إطار الحوكمة المؤسسية المطلوبة للعمل الخيري.

ملاحظات حول الضوابط الجديدة:

أولاً، غياب حوكمة مجلس الإدارة، حيث لم تُذكر مهامه، وصلاحياته، أو آليات تشكيل لجانه، رغم أنه الجهة الرقابية المسؤولة عن الأداء العام للجمعية، والحلقة الأولى في ضمان الحوكمة.

ثانياً، الضوابط لم تُحدد هيكلاً تنظيمياً نموذجياً، ولا كيفية توزيع الصلاحيات بين المناصب القيادية، ولا طبيعة العلاقة بين الإدارة التنفيذية والوظائف المُستحدثة، كالامتثال والحوكمة.

ثالثاً، غياب معايير التأهيل الوظيفي للمناصب القيادية والرقابية المهمة، مثل: المدير التنفيذي، والمدير المالي والإداري، ومدير الحوكمة، والمدقق الداخلي، وغيرها.

رابعاً، لم تتضمَّن الضوابط آلية واضحة للتصنيف الثلاثي، ولا كيفية احتساب الدرجات أو وزن المؤشرات، الأمر الذي قد يُضعف من عدالة وموضوعية التقييم.

خامساً، صدرت الضوابط بصيغة موحَّدة لجميع الجمعيات، من دون مراعاة التفاوت في الحجم المالي والإداري، خلافاً للتجارب الدولية التي تميز بين الجمعيات وفق أصولها أو إيراداتها.

وأخيراً، فإن المهلة الزمنية الممنوحة (شهر واحد فقط) للبدء بتصنيف الجمعيات تُعد قصيرة بالنظر إلى حجم التغييرات المطلوبة. وأعتقد أن تطبيق متطلبات تنظيمية بهذا الكم، وفي فترة زمنية قصيرة، يُعرِّض الجمعيات لاحتمال التصنيف غير الواقعي، نتيجة عدم الجاهزية، وليس لضعف أداء الجهة. وغالباً ما تُمنح فترات انتقالية (من 3 إلى 6 أشهر) في التجارب المحلية والدولية، لتتمكَّن الجهات من توفيق أوضاعها، يُرافقها دليل إرشادي وبرامج دعم فني.

ما المطلوب؟

لاستكمال حوكمة العمل الخيري بشكل أفضل، نُوصي بالتالي:

• تفعيل دور مجالس الإدارة ضمن منظومة الحوكمة.

• إصدار إطار تنظيمي نموذجي يوضح الهيكل الإداري، ويحدد خطوط السُّلطة والمسؤولية.

• وضع شروط تأهيل (كفاءة) مهنية للمناصب القيادية.

• اعتماد آلية شفافة لتصنيف الجمعيات.

• تطبيق نظام تدرج تنظيمي وفق حجم/إيرادات كل جمعية.

• تمديد مهلة تطبيق معايير تصنيف الجمعيات الخيرية (3 أو 6 أشهر) لتوفيق أوضاعها، لضمان امتثال مهني وواقعي.

خلاصة:

الضوابط المستحدثة للعمل الخيري خطوة تنظيمية مهمة، لكنها لن تؤتي ثمارها دون إطار حوكمة مؤسسية متكامل يُعزِّز النزاهة، ويُمكِّن الكفاءات، ويُرسِّخ المساءلة. فالنجاح في العمل الخيري لا يُقاس فقط بالضبط المالي، بل بمدى قوة البنية الحاكمة للجمعيات وثقة المجتمع بها.