حرب الاثني عشر يوماً لم تكن عادية ولا ذات طابع للقصف العشوائي الذي تشاهده على الشاشات الصغيرة ومن ثم تنصرف لمتابعة تحليل مباريات كرة قدم عالمية وتتناسى الموضوع. كانت تلك الحرب ذات طابع مختلف تفاعلي، جعلت من شعوب المنطقة متابعاً دقيقاً حثيثاً ومحللاً للأخبار والأحداث العسكرية عن كثب. نعم، كانت حرباً ضد الكيان الصهيوني، ولا يهمني ولا الكثيرين من الطرف الآخر، لطالما كان الهدف ذاك الكيان غير الشرعي والورم الخبيث بالمنطقة. أما من اتخذ حجة أن الطرف المعادي كان (إيران) فلا وجوب لدعم الجهود التي دمرت تل أبيب على مدى اثني عشر يوماً، فتلك طامة كبرى ومصيبة وجب أن يقوم المرء حينها بمراجعة كل حساباته على أثر ذاك النمط الفكري. أقول هذا وأنا كويتي قد تضررت من إيران بخلايا جاسوسية وتفجيرات على مدى سنوات. أقول هذا القول وأنا خليجي عانت منطقتي الجغرافية من تبعات تواجد عقلية «الكعب الفارسي الأعلى» في المنطقة لسنوات عدة. ولكن حين أصبح الهدف الكيان الصهيوني فرحنا جميعاً لمنظر الدمار والحرائق في العاصمة الهلامية لما يسمى بإسرائيل.
في هذه الحرب المشار إليها وغيرها هناك تعاملات سياسية ودبلوماسية تفرضها الأعراف والمصالح المشتركة لخير الشعوب، وهذا أمر مفهوم ومقدر. ولعل من أبرز الدول التي دعمت الموقف العربي ضد الصهاينة ولعقود من الزمان كانت ومازالت دولة قطر الشقيقة.
قطر دولة صغيرة في حجمها ومبناها لكن يكون إنساناً جاهلاً وسفيهاً من يعتقد أنها صغيرة في معناها. ورغم حضورها وحظوتها على مستوى التمثيل الأممي لكنها كانت ومازالت ثابتة الموقف والمبدأ ضد الصهاينة والمتصهينين كذلك. فما النتيجة المنتظرة جراء هذه الحرب الأخيرة؟! دفعت قطر أغلى ثمن مقارنة بالدول المحيطة جميعها. نعم، أغلق المجال الجوي لكل من دولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة لسويعات، وأنا ممن عانى تلك الليلة في مطار الكويت الدولي حين أغلق المجال الجوي علي (حرفيا) وأنا عند عتبة دخول المطار. لكن ورغم وجود معسكر عريفجان/تامبا الأميركي فإننا لم نواجه الصواريخ كما كان الحال في قطر الشقيقة. وجهت ستة صواريخ، واعترض منها خمسة وسقط واحد في مكان خال، وابتلع النظام الإيراني الطعم في محاولة للتعدي وإيصال رسالة إلى قاعدة العديد الأميركية. وعلى الرغم من حصافة القيادة والحكومة القطرية في التعامل مع الموقف من بعد والدخول في مفاوضات، فإنه تظل في القلب غصة لأهل قطر ولشعوب الخليج قاطبة.
نعم، ابتلع الطعم النظام الإيراني، وموضوع الاتفاق بفعل هذا العمل الإجرامي لا يدخل عقل عاقل البتة. وما النتيجة؟!! خسرت إيران الآن الشارع الخليجي الذي تناسى الماضي وشجع على دمار الكيان الصهيوني، ولا أعتقد أن هناك عودة لكسب تعاطف (على الأقل) هذا الجيل الآن من الخليجيين.
أما الفائدة والخلاصة فهي كالتالي: أي قرار يتم اتخاذه من أي سلطة وجب أن يكون معيار تفاعل الشعوب هو الأساس بل كسب عاطفتهم. والله كريم وهو المستعان.
على الهامش:
لا يمكن النظر إلى التشهير كوسيلة ردع مجتمعي عن فعل الجرم، ولا يمكن النظر إليه كنمط عقابي، فما بالك في مسائل تعاطي مخدرات أو خلافه، بحيث ينظر للشخص كمريض لا مجرم؟! ونكرر ونعاود بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة تحفظ بها كل حقوقه (عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - م 11).
هامش أخير:
استطاع فنان كويتي شاب وهو محمد عاشور، من خلال مجموعة مقاطع تمثيلية مصورة قصيرة، أن يهز الكيان الصهيوني برمته. هذا والله شرف لدولة الكويت قاطبة من خلال الرسائل الإعلامية الناعمة، وهو أكبر دليل على هشاشة هذا الكيان الكرتوني الوهمي.