في حياتنا، تمرُّ بنا مواقف قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تترك في القلب أثراً لا يُمحى.
قبل عدة أيام، عشتُ واحداً من تلك المواقف النبيلة، حين جاءني صديق، بلا تكلُّف ولا طلب، وأصرَّ على أن يصحبني بسيارته من منزلي إلى المستشفى، لإجراء بعض الفحوصات الطبية، والتي يبعد ساعة كاملة عن مقر سكني.
لم يكتفِ بذلك، بل بعد انتهاء الفحص، أخذني إلى العشاء، وأصرَّ على دفع التكاليف، ثم توجهنا إلى منطقة أخرى فقط، لأنني ذكرت – عرضاً – أنني أحب نوعاً من الحلوى كنت أحنُّ إليه.
وفي نهاية الليلة، أوصلني إلى باب منزلي، وابتسامته لا تفارقه، كأن شيئاً لم يكن.
عُدت إلى البيت وصمته لا يزال يرافقني، لم يقل: «هل أعجبتك الرحلة؟»، ولم يلمِّح إلى جميلٍ أو يُشعرني بأنه أدَّى معروفاً... كان يفعل ما يفعل لوجه الله فقط.
تذكَّرت حينها حديث النبي ﷺ: «مَنْ لا يشكر الناس لا يشكر الله».
وتأملت في عُمق هذا المعنى: الامتنان ليس كلمة عابرة، بل خُلق يعيش فينا، وموقف يُردُّ بمثله أو أجمل منه.
نحن في زمن تُستهلك فيه الكلمات، وتُنسى فيه الأفعال. كثيرون يأخذون ثم يمضون كأن شيئاً لم يكن، والأسوأ من ذلك: مَنْ يردُّ المعروف بالتقليل أو النكران. لكن القلوب العظيمة تفعل الخير، ثم تمضي في صمت، لأنها لا تنتظر التصفيق، ولا تطلب المقابل.
إن شكر الناس لا يقل شأناً عن شكر الخالق، لأن الله جعل بعض العباد أبواباً للرحمة، ومواقفهم جسوراً للفرج. والشكر الحقيقي لا يُختصر بكلمة «شكراً»، بل يُترجم بدعاء، أو وفاء، أو ذكر طيب لا يغيب.
إلى صديقي الكريم، أقول:
شكراً لأنك كنت جميلاً في وقت كُنت بأمسِّ الحاجة إلى الجمال.
شكراً لأنك علَّمتني درساً دون أن تتكلم، وذكَّرتني أن القلوب العظيمة لا تصنع ضجيجاً.
وكما قال رولف دوبلي في كتابه «فن التفكير الواضح»: «حين يصنع الإنسان المعروف ثم يمضي دون أن يلتفت، فاعلم أن بداخله نوراً لا يُطفأ».