سبقتني إلى ما أحب أن أكون فيه الأول، وإلى ما تكره أن تكون فيه الثاني.
سبقتني إلى الموت الذي لو خيرتَ أنا من يكون الأسبق إليه... لاخترتُ أن أكونَ أنا، لأني على يقين أنّك لو خُيّرتَ أنتَ لاخترتَ أن تكونَ أنت الأسبق.
فويلٌ لي أن أحيا حياةً لستَ أنت فيها.
كيف لي أن أنسى حياةً زرعتَ أنت فيها صلاح الساير بقلبي وتركتَه -لا أقول- يتيماً بل ميتاً بلا قلب يا صلاح.
صداقةٌ نافت على الأربعين عاماً، وزادت على نصف عمري، ودنت من ثُلثي عمرك.
***
تزاملنا في درب الكلمة، ونسجنا حروفنا بمغازل صحف سيّارة ثلاث... الوطن... القبس... الأنباء، حيثُ ماتت كلماتنا فيها، ومازالت أقلامنا تقطر حبراً، وقراطيسنا نديّةً بعد لم تجفّ ولم تتكسر... فطويتُ أنا قراطيسي... وكسرت قلمي... بينما أنت لم تكسر ولم تطو... بل سرجتَ فرساً جديدةً، واعتليت صهوتها فكنت في عالم (السوشيال ميديا) المبرّزَ والمدوّي وفرسك من تحتك تصهل... تصارع في ذلك الميدان، وتتصارع وصرعت كثيراً، ولم يمسسك سوءٌ في ذلك الميدان قطّ... رغم كثرة محاربيك في ذلك الميدان الصاخب المجنون... شهرتَ سيفك تحارب الرؤوس وأذنابها من أهل الظلام والتزوير... فكانت لك الغلبة في كل حرب خضتها في تلك الميادين.
حاربت أعداء الحق أولاً... وأعداء وطنك ثانياً... وتالياً أعداء الجمال والكذابين والمزوّرين والمطبلين في ميدان التلفيق والضلال.
***
كنت بطلاً صامتاً من أبطال المقاومة المتعقلة الرشيدة أيّام احتلال بلادك... لم تتباهَ بذلك، ولم تستدع الأضواء والكاميرات والميكروفونات لتعلن نفسك البطل الذي حمى البلاد، وأعزّ العباد كما فعل بعض المدّعين وأصحاب البطولات الكاذبة والذين لم يبرحوا يوماً بيوتهم في تلك المحنة الحالكة.
أنا على يقين أنّك لن تبيح لي كشف هذا السرّ في حياتك... أما وقد غادرتَ هذه الحياة... فقد أصبح ذلك حقي في أن أفخر -لا بصديق بطل- بل بكويتي بطل ساهم في حماية بلادي وأهلها.
***
صلاح الساير... أنت هنا وهنا وهنا... أنت في كل مكان زرته في حياتك أو لم تزره.
أنت في البحر بحّار يجوب بحر الكويت وجزرها... وأنت في البرّ ذو مضارب وإبلٍ تسلمك ضروعها تشرب من لبنها السائغ وتسقي كل وارد... وأنت في الحقل سقيت يبابَ الأرض وزرعتها وفلحتها فأفلحت... حتي غدت خضراء نديّة غصونها... يانعاتٍ قطوفها تسرّ الناظرين.
***
أيّها القارئُ كلماتي هذي... لقد ضاقت مساحة الورق وما وسعتني أن أكتب ما يجب أن يُكتب عن صلاح الساير... عن قلبي الذي رحل وتركني بلا قلب.