العالم حَبَس أنفاسه خلال الحرب التي دامت اثني عشر يوماً، مُترقباً ما قد تؤول إليه الأوضاع، خصوصاً بعد الضربات الجوية التي نفذها الجيش الإسرائيلي، بقصفه للمنشآت النووية في إيران، ودخول الولايات المتحدة الأميركية على خط الإسناد والمواجهة المباشرة، فضلاً عن الاستهداف الذي أدَّى إلى تصفية العديد من قيادات الصف الأول العسكرية والأمنية ومجموعة من علمائها كانت كافية في نظر الإدارتين الإسرائيلية والأميركية لإسقاط النظام من الداخل، خصوصاً مع الزخم والتحريض الإعلامي الكبيرين اللذين صَاحَبَا تلك الاغتيالات.
رغم الاختراقات الاستخباراتية والمعلوماتية ووجود الخونة وانكشاف الفضاء الإيراني للهجمات الإسرائيلية، فإن إيران استفاقت سريعاً، لترد الصاع صاعين، بكسر شوكة هذه الدويلة الدخيلة على المنطقة، وإسقاط منظوماتها الدفاعية، ولولا الإسناد والدعم غير المحدودين اللذين تلقتهما من الولايات المتحدة لأصبحت في خبر كان.
لا عجب فطوفان الأقصى شاهد على ذلك
الرهان على الضربات القاسية التي تلتقها إيران، وما تبعها من تصفية لقيادات الصف الأول، آلت للفشل، بعد أن أظهر المواطن الإيراني ولاءه لوطنه، مما جعل الأمور أكثر تعقيداً، وجعل من مشروع تغيير النظام صعباً وعصياً على إسرائيل وأميركا، حيث ساهم هذا التلاحم في تغيير مجرى الأحداث، مما سمح للنظام بإعادة ترتيب صفوفه، كما أدَّى إلى تغيير الوضع من مُدافع إلى مُهاجم، وإلى نتائج لم تكن بحُسبان الحكومة الإسرائيلية، بعد أن عاش الشارع الإسرائيلي ليالي من الجحيم، بسبب عدم قدرة أنظمة إسرائيل الدفاعية على التصدِّي للصواريخ البالستية والفرط صوتية والمسيِّرات التي ألحقت دماراً كبيراً بالمناطق المُستهدفة.
سلاح التغيير الذي دفعت به إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لم ينفع مع شعب إيران، والتاريخ مليء بالعِبر، فالدول التي لديها تاريخ لا يمكن تغيير واقعها من الخارج، فهذه مصر تعرَّضت أرضها لكل أنواع الغزو، إلا أنها ظلَّت مصر عظيمة بذات ثقافتها وأصالتها وتاريخها.
المُعادلة الغريبة أن مُواطِني الكيان الصهيوني هم مَنْ اصطفوا بالمطارات والمعابر البرية والبحرية، بعد أن خذلتهم قببهم الحديدية، والتطمينات التي دأبت الحكومة الإسرائيلية على بثها. مما لا يدع مجالاً للشك، فإن هذه الدويلة الطارئة إلى الزوال.
الساعات الأخيرة وقطر العظيمة
عندما تدخل نادي الكبار لا تتصرَّف إلا كالكبار، وهكذا كانت وتصرَّفت دولة قطر، التي تعالت على كل شيء، عبر استمرار وساطتها في وقف الحرب، والتي أشاد بها العدو قبل الصديق.
المسرحية و«اللهم اضرب الظالمين بالظالمين»
لمن يقول إن هذه الحرب مسرحية مُتفق عليها نُعيده للذاكرة، فالمسرحيات عادة لا تكون بهذه الكُلفة العالية، ولا بهذا الحجم من الدمار والأعداد من القتلى والجرحى. والرد على أصحاب هذه النظرية لا يسوى ثمن الحبر على الورق. أما الطامة فيمن يذهب بعيداً بتفسير الضربات المُتبادلة بين أميركا وإيران بتمثيلية مُتفق عليها دون فهم أو إدراك بأنها كانت المَخرج لوقف الحرب.
على الجانب الآخر، ولأصحاب نظرية المؤامرة ودعاء «اللهم اضرب الظالمين بالظالمين»، فحالكم ليس بأحسن من أصحاب نظرية المؤامرة، وإن كان هناك تفصيل في هذه المسألة، إلا أن ضمَّكم لقائمة المسرحية في هذا التوقيت أجدى من الخوض فيه.
ودمتم سالمين