«غَمَراتٌ ثُمَّ يَنْجَلين»، مثلٌ عربي قديم يقال إنه للأغلب العِجْلي، وهو يضرب في احتمال الأمور العظام والصبر عليها، فلابد أن يكون مصيرها الزوال. والغمرات هنا هي الشدائد التي لابد لها أن تنجلي وتنتهي.
الله سبحانه وتعالى أكد أن وراء كل عسر يُسراً بقوله: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً». أما الرسول - صلى الله عليه سلم - فله أقوال في ذلك، منها: «لَنْ يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ»، و«إنَّما الصَّبرُ عِنْدَ الصَّدمَةِ الأولى»، و«لَا تَزُولُ قَدَما عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ».
وهناك بيت شعر ينسب للمتنبي عبّر فيه فلسفياً عن الصبر والتفاؤل والأمل، مؤكداً فيه أن الهموم والغمّات والمصائب ستنقشع ولن تدوم، قال فيه:
غَمَراتٌ ثُمَّ يَنْجَلِينَ
وَمَصائِبٌ ثُمَّ تَنْقَضِي
أما ابن الرومي فذكر أن المصائب قد تبدو كبيرة لكنها تصغر بمرور الزمن، فقال:
وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ بِها الفَتى
وَذَرعُها وَهيَ بِالعَظائِمِ كُلمُ
وأبوالعتاهية قال:
اصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتَجَلَّدِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ المَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ
وابن سينا أدلى بدلوه ناصحاً وقال: «الألم لا يدوم، فإما أن يزول أو تزول أنت»، أما الجاحظ فقال مبشراً: «إذا اشتدت الشدائد، فاعلم أنها بداية انفراجها»، وسقراط قال: «ليس هناك شر دائم، ولا ألم لا ينتهي»، وقيل في مثل عربي: «بعد العسر تيسير، وبعد الضيق فرج».
فالله ورسوله بشّرا الصابرين على الشدائد، والكل من حكماء وشعراء مجمعون على حتمية زوال الهموم والمصائب، إن كان بالصبر، أو بالنسيان، أو بانقشاعها وزوالها مع مرور الزمن، وأن كل ما قيل إنما هو إشارات تبشر بزوالها، وأن الشدائد اختبار للنفوس، وأن كل شدة وراءها فَرَج، فـ «اشتدي يا أزمة تنفرجي».
فاللهم أبعد عنّا الغمرات والشدائد، واجعلنا من الصابرين على نوائب الزمان وتقلباته.