في ظل التصعيد المتواصل في المنطقة، وعلى وقع الضربات الأميركية التي تستهدف إيران أو بعض حلفائها، يظهر المشهد السياسي أكثر وضوحاً مما يُراد له أن يبدو. فالعلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم تعد مجرد «دعم لحليف»، بل أصبحت شراكة استراتيجية متكاملة في مشروع طويل الأمد يهدف إلى إعادة رسم توازنات المنطقة.
الإدارة الأميركية، بغضّ النظر عن الحزب الحاكم، تنظر إلى إسرائيل باعتبارها أداة متقدمة للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. ليست فقط دولة «صديقة»، بل رأس حربة في صراع استراتيجي طويل لتثبيت الهيمنة الغربية، وضمان استمرار السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي في الإقليم.
هذا التلاقي في المصالح يتجلى في أربعة مسارات رئيسية:
1. إضعاف القوى الإقليمية المستقلة التي ترفض التبعية السياسية، وفي مقدمتها إيران، وحزب الله، وبعض الأجنحة المناوئة للهيمنة الغربية في الإقليم.
2. ضمان التفوق العسكري المطلق لإسرائيل، بما في ذلك حرمان محيطها من امتلاك أدوات ردع تخل بتفوقها النوعي.
3. منع نشوء تحالفات إقليمية خارج المظلة الغربية، سواء على أسس عربية أو إسلامية، يمكن أن تعيد التوازن للمشهد الإقليمي.
4. التحكم في موارد الطاقة وخطوط الملاحة العالمية، وهو ما تعتبره واشنطن عنصراً حيوياً في معادلة النفوذ الدولي.
ورغم وحدة الأهداف، فإن هناك تبايناً في وتيرة التصعيد. فإسرائيل تسعى إلى توسيع المواجهة بسرعة لاعتقادها بأن لحظة الاضطراب العالمي تمنحها نافذة زمنية ذهبية لتصفية خصومها. بينما تفضل الولايات المتحدة احتواء الصراع وتوجيهه ضمن حسابات أشمل، خصوصاً في ظل تحديات دولية كبرى مثل الصين وروسيا.
لكن هذا الاختلاف في الإيقاع لا يعني تباعداً في الأهداف، بل هو توزيع أدوار متفاهم عليه. فإسرائيل تتحرك على الأرض، وأميركا تُدير المعركة من فوق، وتُبرّر وتحشد وتُغطّي.
ما يجري ليس حرباً طارئة، بل حلقة جديدة في مشروع استراتيجي يسعى لإعادة صياغة المنطقة على مقاس القوة والغلبة. وإذا لم تمتلك الدول العربية مشروعها الخاص، القادر على مواجهة هذا المحور، فستظل تدفع الثمن، جولةً بعد جولة.