ذهبت لحضور حفل تخرُّج ابنتي من المرحلة المتوسطة وأنا كلي سرور، لكنني صدمت من مبنى المدرسة المتهالك، وحيطانه المتشققة وطلائه المتقشر، والزرع الميت المصفر في الساحات، وكأنه مبنى مهجور! فشعرت بشيء من الذنب، وأحسست بأنني ظلمت ابنتي الغالية كل هذه السنين بهذه المدرسة البائسة.
لكننا كنّا في لحظات فرح وتخرُّج، فما كان لي إلّا أن أبارك لها مرتين، مرة على انتقالها للمرحلة الثانوية، والأخرى لخروجها من هذه الكآبة ومن هذا المبنى الآيل للسقوط، الذي ذكّرني بأيام الغزو!
أعزائي القراء...
هل تعلمون أن من ضمن خطط إصلاح التعليم، الاهتمام بالمباني المدرسية ومرافقها؟ لأن البيئة المدرسية تؤثر بقوة في جودة التعليم والتحصيل النفسي والمعرفي، بل إنها تشكّل في كثير من الأحيان «المعلم الصامت»، الذي يوجّه سلوك المتعلم من دون أن ينطق.
إن للمنشآت والمدارس الجميلة الجذابة دوراً نفسياً وتحفيزياً مهماً للغاية، فالمنشآت الجميلة ترفع مستوى الانتماء والارتياح النفسي للمتعلمين والمعلمين، وتقلل من العنف المدرسي والانطواء والتسرّب، وتحسّن من جودة التعليم، لأنّ تنوع الفصول واختلاف تصميمها من الداخل، والمساحات الواسعة والممرات المرنة والإضاءة الطبيعية الخارجية، والاهتمام بالتهوية، كل ذلك يكوّن بيئة جاذبة ومحفزة للطلبة في تلقي المعرفة واحترام المكان، وكأن المكان يقول للطالب: «أنت تستحق بيئة راقية ومحترمة، وهذا هو مكانك».
إن البيئة المنظمة، المتنوعة في خدماتها والجميلة في تصميمها تُنمّي الذوق العام لدى روّادها، وترفع من قيمة تقدير المكان في نفوسهم، وترغّبهم بالمسؤولية والاهتمام بالملكيات العامة، لشعورهم بالانتماء لهذا المكان الجميل، الذي لا بُد أن يسعون جميعا للحفاظ عليه وعلى بقائه بهذا الزهو.
عزيزي القارئ...
إن نصف حياة الطالب تكون في المدرسة، لذلك أتمنى أن نتطور بالمستوى التصميمي والمعماري للمباني المدرسية، ونحولها إلى مجمعات تعليمية متطورة تعمل صباحاً ومساء، ومراكز للثقافة والفنون والرياضة «العامة»، ومحاولة للتوسع في الخدمات المجتمعية.
إن من أفضل النماذج العالمية لتصميم المدارس الحديثة التي يمكن أن نستفيد منها:
1 - النموذج الفنلندي:
• مساحات مفتوحة وفصول متنقلة، لا توجد فصول ثابتة تقليدية.
• نوافذ كبيرة، إضاءة طبيعية، استخدام الخشب والمواد المحلية.
2 - نموذج «المدرسة الخضراء» (Green School) - في بالي وهولندا:
• استخدام الطاقة الشمسية، التهوية الطبيعية، أسقف خضراء، حدائق تعليمية.
• دمج الطلاب في بناء وصيانة البيئة المدرسية.
• استخدام مواد صديقة للبيئة، وتطبيق مفهوم الاستدامة.
3 - النموذج الياباني:
• تصميم وظيفي بسيط - مدعوم بفكرة أن الطلاب ينظفون المدرسة بأنفسهم.
• ساحات مركزية مفتوحة و»غرف متعددة الاستخدام».
• ربط المدرسة بالطبيعة والمجتمع من حولها (زيارة الحقول، المراكز الحرفية).
4 - النموذج الدنماركي/ الإسكندنافي:
• «مدارس بلا جدران»: التركيز على التعلُّم المرن خارج الفصل.
• ألوان دافئة وأثاث متحرّك يسهل تغييره حسب النشاط.
• فضاءات للنقاش، والحركة، وللهدوء النفسي.
5 - النموذج الإماراتي:
• مدارس الإمارات المستقبلية: مجمع تعليمي متكامل الأنشطة.
عزيزي القارئ...
إن التوسع في تصميم المدارس ومرافقها ليس ترفاً، بل هو استثمار في الأبناء وفي التربية والتعليم. فلماذا نرى التطور المبهر في كل شيء، إلا في المدارس؟! حتى أصبحت بيئة طاردة!