قال الرئيس ترامب، أمس، في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في لاهاي بهولندا، «لا أود أن أستخدم مثال هيروشيما، ولا أريد أن أستخدم مثال ناغازاكي، لكن ذلك كان أمرا مشابها أنهى تلك الحرب»، وتابع: «لو لم نقم بذلك، لكانوا يتقاتلون الآن».
وكرر تعهده بمنع طهران من تطوير برنامجها الذري من أجل الحصول على سلاح نووي، قائلا: «لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك مجدداً، لقد مروا بالجحيم، أعتقد أنهم مروا بأسوأ ما يمكن المرور به. آخر شيء يريدون فعله هو التخصيب».
وأكد أنه كان ينتظر تقريراً من إسرائيل حول تقييم الأضرار في إيران، والذي أشار إلى أنه سيكون كفيلاً بإثبات ادعاءاته بأن المنشآت النووية الإيرانية «دُمرت بالكامل».
وبينما ذكر ترامب أن «إسرائيل تعمل على تقرير الآن حسبما فهمت. وقيل لي إنهم كان لديهم أشخاص على الأرض في فوردو بعد الضربة، وهم يقولون إنها كانت إبادة كاملة».
وبمواجهة تقارير أميركية تشكك في تحقيق الضربة الأميركية التي تمت بقاذفات استراتيجية وغواصات وتضمن إلقاء «أم القنابل» لنجاح حاسم في تدمير القدرات النووية الإيرانية خاصة بفوردو، شدد ترامب على «أننا حققنا انتصارا كبيرا بإيران، وما حدث في طهران دمار كامل للمنشآت النووية، ولا أعتقد أنهم نجحوا في إنقاذ أي مواد».
واتهم «شبكات إعلامية بينها سي إن إن بأنها تصف التقارير بشأن تدمير منشآت إيران النووية بالكاذبة، وهذا عار عليها»، وكشف أنه تواصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين كثيرا، وقد تطوع للمساعدة في قضية إيران «وقلت له المساعدة نحتاجها في أوكرانيا».
وأشار إلى أن «وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران يسير بشكل جيد، وإسرائيل أعادت الطائرات أمس، التي كانت تنوي قصف طهران»، وأقر بأن «إسرائيل تضررت بشدة خلال الأيام الأخيرة»، لافتا إلى أنه «سينتهي بنا المطاف لنوع من العلاقات مع إيران».
سلام وخيانة
في موازاة ذلك، أصر ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب، «رغم الشائعات المسربة»، على أن الولايات المتحدة حققت هدفها في وقف البرنامج النووي الإيراني.
وقال: «ألقينا 12 قنبلة خارقة للتحصينات على فوردو. لا شك في أنها اخترقت الموقع ودُمّرت بالكامل. والشائعات التي تُلمّح بأي شكلٍ من الأشكال إلى أننا لم نحقق الهدف هي مجرد سخافة»، ورأى أنه «بعد انتهاء القضية النووية» حان الوقت للجلوس مع الإيرانيين والتوصل إلى اتفاق سلام شامل.
وأعرب عن ثقته بأن الدول ستُنجز المهمة، لافتا إلى أن «محادثات واعدة جارية بالفعل» بين الطرفين، وأكد أن واشنطن تأمل التوصل إلى اتفاق سلام وتسوية طويلة الأمد «تنعش إيران»، وزعم أن الطرفين يُجريان بالفعل محادثات لهذا الغرض «ليس مباشرة فحسب، بل عبر وسطاء أيضا».
ووصف ويتكوف تسريب معلومات استخباراتية أميركية سرية، أشارت إلى محدودية الأضرار التي لحقت بثلاثة مواقع نووية إيرانية، بعد الهجمات الأميركية التي استهدفتها، السبت الماضي، بأنه «خيانة ويجب التحقيق في ذلك ومحاسبة من قام به ومن يتحمل المسؤولية».
وكان التقييم الاستخباراتي الأولي، التابع لوزارة الدفاع (البنتاغون)، أشار إلى أن الضربات الأميركية لم تدمر المكونات الأساسية لبرنامج طهران النووي، وربما تأخر البرنامج شهرا أو شهرين فقط، حسبما أفادت شبكة CNN نقلاً عن 3 مصادر وصفتها بالمطلعة.
في هذه الأثناء، احتفى نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بـ «مبدأ ترامب» الذي دمر برنامج إيران ومنع حربا طويلة، فيما أشار وزير الخارجية مايك روبيو إلى أن الرئيس يرى أن «تغيير النظام في إيران أمر محتمل إذا استمر قادتها في نفس الاتجاه».
تحدّ وتضرر
على الجهة المقابلة، وافق البرلمان الإيراني على مشروع قانون لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفعه إلى المجلس الأعلى للأمن القومي لبتّ تنفيذه.
وصرح رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، بأن البرنامج النووي السلمي لإيران «سيتقدم بوتيرة أسرع»، وقال: «لن ننخدع بأي وعود، وسنكون أكثر استعداداً من ذي قبل للرد بقوة وحزم على أي عدوان».
ورغم ذلك، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، أن الضربات الأميركية ألحقت أضرارا بالغة بالمنشآت النووية لبلده، وندد بتهنئة الأمين العام لحلف ناتو ترامب على «عمل عدواني استثنائي حقا ضد دولة مستقلة».
وبينما بدأت مظاهر الحياة للعودة بشكل تدريجي إلى المدن الإيرانية التي مازالت تحصي خسائرها جراء الضربات الإسرائيلية التي استمرت 12 يوما، أكدت سلطات طهران أن القيود على الإنترنت ستُرفع تدريجياً، كما سيعاد فتح المجال الجوي للبلاد تدريجياً ابتداء من اليوم.
وفي أول اجتماع لحكومته بعد وقف إطلاق النار، وصف الرئيس مسعود بزشكيان الحرب بأنها «ظاهرة قبيحة»، مؤكدا أن «التجربة القاسية» التي مرّت بها البلاد تحولت إلى لحظة فارقة كشفت عن تلاحم غير مسبوق بين الشعب ومؤسساته، وداعياً إلى اغتنام هذه اللحظة لإحداث تغيير حقيقي في سلوك ونهج المسؤولين في إدارة شؤون الدولة.
ومن المقرر أن تنظم إيران بعد غد السبت جنازة رسمية في طهران، لكبار القادة العسكريين وعلماء النووي الذين قُتلوا في الحرب. وفي حين تقام اليوم مراسم جنازة في وسط البلاد لقائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، الذي قُتل في اليوم الأول من الحرب، ظهر قائد «فيلق القدس»، إسماعيل قآني، خلال تظاهرة احتفالية بعد أنباء عن اغتياله.
من جانب آخر، جدد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تأكيد بلده على احترام سيادة قطر بعد قيامها بشن ضربة بـ 6 صواريخ على قاعدة العديد الجوية التي تضم قوات أميركية في الدوحة، ولفت إلى أن طهران تلقت رسائل من واشنطن «وأجبنا عليها بما يلزم عبر الوسطاء».
وأشار عراقجي إلى أن بلده أوضحت للوسطاء أنها لن تعود إلى التفاوض ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي، معتبرا أن «تقارب الرأي العام العربي والإسلامي والشعب الإيراني أكثر من أي وقت مضى».
من جهة ثانية، أعلن المدعي العام في سيستان ضبط «شحنة أسلحة أميركية الصنع في المحافظة أدخلت بمساعدة عناصر للموساد، بهدف تنفيذ عمليات تخريب»، فيما تحدثت تقارير عن قيام سلطات طهران باعتقال 700 من «المرتزقة» المتعاونين مع إسرائيل خلال الحرب التي استمرت 12 يوما.
تضارب إسرائيلي
في هذه الأثناء، تضاربت التقديرات في إسرائيل بشأن نجاح الضربة الأميركية في القضاء على الخطر النووي الإيراني، إذ أكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية أشارت إلى تدمير البرنامج الإيراني جراء الهجوم الأميركي، فيما اعتبر متحدث باسم الجيش أن الضربات الأميركية أخرت طهران لسنوات، لكنه اعتبر أن من المبكر تقييم حجم الضرر الذي لحق بـ «فوردو».
وجاء ذلك في وقت قلل مصدر إسرائيلي من نتائج استهداف فوردو، بعد الهجمات الأميركية عليها، بالإضافة إلى منشأتي أصفهان ونطنز فجر الأحد الماضي، وقال إن النتيجة هناك «ليست جيدة حقاً».
وأشار مصدران آخران إلى أنهما لا يعرفان كمية اليورانيوم المخصب التي ربما جرى نقلها من المواقع قبل الهجمات الإسرائيلية والأميركية، أو عدد أجهزة الطرد المركزي المتبقية والتي يمكن تشغيلها مجدداً، وقال أحد المصادر إن «تحديد هذه التفاصيل قد يستغرق شهورا، أو قد يكون مستحيلاً». وفي وقت تتريث الدولة العبرية في تحديد موقفها من نجاح تدمير المنشأة الرئيسية بفوردو، نفى وزير بـ «الكابينت» وجود عملاء بالموقع عقب قصفه.