أعتقد أن العالم والمنطقة أمام تحوُّل تاريخي بمسمى السلام الذي يحمل شعاره الرئيس ترامب، وهي مرحلة ربما تمثّل حالة استراحة محارب - للمنظومة الإقليمية والعالمية معاً - لإعادة التوازن للعالم نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، بدلاً من عالم أحادي القطب.
وأظن أن السنوات العشر المقبلة ستحمل تغييرات تُنهي وجود أي معتدٍ، خصوصاً في ظل سقوط السردية الصهيونية، وتداعيات ذلك الواسعة في الغرب، وتحديداً أميركا.
وقد تعمّد ترامب أن يلقّن الكيان الصهيوني - في مواجهته مع إيران - درساً لن يتمكن هذا الكيان من الخروج منه، ولا أن يكون قادراً على التعافي منه، وهو أن قدرته على صد أي مواجهة مستقبلية في المنطقة معه غير ممكنة، وسيكون ذلك تهديداً حقيقياً لوجوده، من دون التدخل المباشر لأميركا، وهو لن يتم إن تمرّد عليها ولم ينصَعْ لأوامرها.
فقد أثبتت غزة، واستكملت إيران كشف هشاشة الكيان الصهيوني ومنظوماته الدفاعية، التي كان يعتبرها درعاً فولاذية، وبسقوط تلك الدرع أصبح القضاء عليها عسكرياً في متناول اليد، وضمن إمكانات القوى الإقليمية، خصوصاً مع تعددية الأقطاب عالمياً، وهو ما تجلّت صورته بما تكبّدته كل من إيران والكيان الصهيوني في حربهما الأخيرة من إنهاك قابلية للسقوط! خصوصاً إذا تناهت القوى الإقليمية بقوتها الكامنة للقيام بذلك، وتحديداً عند غياب الطرف المستمر بدعم الكيان الصهيوني للبقاء.
وبهذا التحول، سيكون هناك مسار حاد ومُلحّ للتحول إلى السلام الشامل مع الكيان الصهيوني بملف التطبيع مع الدول العربية، وصار واضحاً أنه لن يتم هذا المسار في الوقت الراهن، ولا وفقاً للمخطط له سابقاً، سواء بمسمى الشرق الأوسط الجديد أو أي مسمى آخر.
والأكيد أننا سنشهد تغييرات سريعة نحو عالم متعدد الأقطاب، بتوازن واضح لتعاظم قدرات الردع المتقابل إقليمياً وعالمياً، وهو ما تكشّف في مرحلة غربلة العلاقات الدولية والإقليمية منذ تولي ترامب للسلطة وحتى اليوم، إذ تعزز محور روسيا والصين، وتبلور الدور التركي - الباكستاني - الماليزي، وتقوّت منظومة التحالف الخليجي - المصري - السوري - الأردني والعربي! مع استمرار إيران ومحورها، وتلك معطيات جوهرية لتحولات جديدة.
وفي هذا السياق، لا تخفى الإشارة إلى مقاصد الحرب التي شنّها الكيان الصهيوني على إيران، وما أظهره ذلك من تراجع عن التحالفات السياسية التي شهدها الشرق الأوسط، في العقود الثلاثة الماضية، إثر تحالفات غير مستقرة بين أميركا وإيران والكيان الصهيوني.
ففي الوقت الذي استغلت أميركا إيران كحليف لتدمير الدول العربية، خاصة بعد إسقاط صدام حسين عام 2003، حيث تم تمكين فصيل في العراق برعاية إيران في أعقاب دعم أميركا لطهران خلال الحرب العراقية - الإيرانية، مما أدى إلى تدمير العراق وتعزيز الهيمنة الإيرانية بالمنطقة.
وقد ألقى ذلك بظلال من الهيمنة على دول عربية محددة، مثل العراق ولبنان وسورية واليمن، حيث تم تمكين إيران من السيطرة على هذه الدول، بدعم جماعات مثل حزب الله والحوثيين، مما عزز الهيمنة الإيرانية، بهدف إضعاف البنية العسكرية والمدنية للعرب السُّنة، وهو ما تم فعلاً.
ومع تصاعد قوة إيران، بدأ التخوف الأميركي والصهيوني من تحوّلها لقوى تهديد، بعد أن كانت الحليف، مما دفعهم للتفكير في تدميرها، وهو ما تم إنجازه في الحرب بين إيران والكيان الصهيوني، فالحليف الإيراني الذي ساهم في تدمير الدول العربية أصبح الآن مهدِّداً لأميركا والكيان، مما استلزم تقليمه ولجمه بالحرب التي تمت، بما يؤكد عدم استقرار التحالفات في المنطقة، وهشاشة حمايتها - لأي حليف - في ضوء أي تحالفات يمكن أن تتلاشى أمام اعتبارات متغيرة، وهو ما تم في مواجهة إيران من جهة، والتحول بالنسبة لأوروبا من حليفتها أميركا في الإجراءات الأخيرة لترامب وإدارته، من جهة أخرى.