في خضم التراجع الحاد لمعدلات الولادة بالغرب، يتجه بعض المحافظين الاجتماعيين في أميركا إلى سياسات تُعرف بـ «البروناتالية»، وهي مزيج من الإعفاءات الضريبية والمنح النقدية وإجازات الأمومة، بهدف تشجيع الشباب على الإنجاب، لكن الحقيقة أن لا أحد يُنجب الأطفال من أجل خصم ضريبي.

في عام 1960، كانت المرأة الأميركية تُنجب في المتوسط 3.65 أطفال. اليوم، انخفض الرقم إلى نحو 1.6 طفل فقط. هذه أزمة ديموغرافية واضحة، لكنها لا تُحل عبر أدوات السياسة المالية. التجارب الأوروبية تؤكد ذلك. في فرنسا، يحصل الآباء على إجازات مدفوعة، ودعم نقدي، وتخفيضات في المواصلات والإسكان. ورغم كل ذلك، لا يزيد معدَّل الخصوبة هناك عن الولايات المتحدة. أما المجر، التي تُعد رمزاً للسياسات الأسرية السخية، فمعدَّل الولادة فيها أقل، ويستمر في الانخفاض.

Ad

ما الذي تغيَّر؟ الجواب ليس في الضرائب، بل في الثقافة. لقد تقلَّصت مكانة الأسرة في المجتمعات الغربية، وتراجعت المعتقدات الدينية، التي لطالما ربطت بين الإنجاب والغاية من الحياة. كما أن دور المرأة تغيَّر بشكلٍ جذري: أكثر من ضعف عدد النساء يشاركن في سوق العمل مقارنة بعام 1955.

السياسيون المحافظون، بعدما فقدوا الكثير من التأثير في قضايا مثل الإجهاض وزواج المثليين، يبحثون الآن عن أجندة جديدة. فيجدون في «البروناتالية» ملجأً سياسياً. يقولون إن القانون يمكنه أن يشجع على الإنجاب، لكن هذا تفكير ساذج.

أنا أب لخمسة أطفال، وأعرف من التجربة أن تربية الأطفال صعبة ومُكلفة، لكنني لم أتخذ قرار الإنجاب بناءً على ما إذا كانت الحكومة ستمنحني 2500 دولار. الناس لا يتزوجون وينجبون بناءً على الحوافز الحكومية، بل بدافع الحُب، والقيم، والإيمان، أو حتى فقط الرغبة الغريزية بالاستمرار. لا يمكن تحويل الأطفال إلى مشروع اقتصادي تدعمه مصلحة الضرائب.

إذا كانت الحكومة جادة في دعم الأسر، فلتوفر اقتصاداً مستقراً، وفرص عمل حقيقية، وسوق إسكان معقولاً. فمستقبل يحمل أملاً وظروفاً مستقرة أهم بكثير من منحة لمرة واحدة أو إعفاء ضريبي محدود.

المدافعون عن البروناتالية يقولون إن القوانين تعكس القيم، وإن الحكومة إذا أوصلت رسالة مفادها أن الأطفال مهمون، فسيُعيد الناس النظر في قراراتهم، لكن هذا رهان ضعيف. التغيير الحقيقي لا يحدث في القوانين، بل في البيوت، والكنائس، وفي المحادثات بين الأصدقاء والجيران. هذا هو المكان الذي تنشأ فيه الرغبة بتكوين أسرة.

الحل يبدأ من المجتمع، لا من الكونغرس. من الكنيسة، لا من دائرة الضرائب. إذا أردنا تشجيع الشباب على الإنجاب، فلنُظهر لهم أن تربية الأطفال تجربة مليئة بالمعنى، حتى لو كانت مُرهقة. لنُشجعهم بالمثال، لا بالحوافز المؤقتة. العائلات الكبيرة لا تُصنع من خلال المساعدات، بل بالإلهام والقناعة.

أعطوا الناس الأمل، وليس الشيكات. ادفعوا الاقتصاد للنمو، وليس نحو المزيد من البيروقراطية. عندها فقط، قد تبدأ الخصوبة في الارتفاع من جديد.

*ماثيو هينيسي