في خضم الحديث عن آفة المخدرات، وتزايد حالات التعاطي في مجتمعنا، لا يمكن أن نغفل الدور العظيم الذي تقوم به وزارة الداخلية في ضبط المروِّجين وتجار السموم البيضاء، والضرب بيدٍ من حديد على كل مَنْ تسوِّل له نفسه العبث بأمن البلاد والمجتمع وصحة أفراده.
نُشيد- نعم - بكل امتنان، بما تحققه الدولة من خطوات جادَّة في هذا المسار. لكن من واجبنا أيضاً أن نقف وقفة مسؤولة، لا لننتقص، بل لنُصحِّح، فليس كل مَنْ يقع في براثن الإدمان يستحق التشهير والفضيحة العلنية.
تاجر المخدرات يستحق العقاب والتشهير، فجُرمه واضح، وأثره كارثي. أما المتعاطي فقصته مختلفة. فهو في غالب الأحيان - وليس دائماً- ضحية. ضحية ضعف، أو يأس، أو ضغط نفسي، وأحياناً بيئة مفككة، أو عُنف اجتماعي أسري... إلخ. القانون يُعاقب على التعاطي، نعم، لكن التشهير الإعلامي الذي يُمارَس في بعض الحالات هو عقوبة إضافية أشد عُمقاً، وأشرس اجتماعياً من عقوبة السجن المقررة قانوناً، وغير مُحبذة بمَنْ نرجو له التوبة والعلاج وإعادة الاندماج في المجتمع.
الزج بأسماء وصور المتعاطين في الإعلام، خصوصاً إن كانوا من الشخصيات العامة أو المشاهير، يدفع ثمنه المتعاطي من سُمعته، وأهله من خجلهم، ومجتمعه من كلام الناس. حادثة الفنانة الأخيرة التي ضج بها الرأي العام، لم تُحدث هذا الأثر لمجرَّد أنها فنانة معروفة، بل لأن الناس شعروا بأن هناك خللاً أعمق، وأننا أمام أزمة مركَّبة: أزمة قانون، وأزمة إعلام، وأزمة وعي مجتمعي.
لا نطلب إسقاط العقوبة، بل نطالب بعدم إضافة «عقوبة نفسية واجتماعية» جديدة فوق العقوبة المنصوص عليها في القانون. التشهير لا يعالج، بل يكسر. لا يهذب، بل يُنفِّر. ولعل من المؤسف أن نرى شاباً أو فتاة في مقتبل العُمر يُحاصر بنظرات المجتمع، ويُقصى من فرص العمل، ويُحرَم من العيش بشكل طبيعي بقية حياته، فقط لأنه تعثَّر في لحظة ضعف، فيما لا يجد أمامه يداً تمتد للعلاج والتأهيل.
في الماضي، كنا نرى بمدارسنا برامج يومية تحذِّر من هذه الآفة، وكانت التلفزيونات، والصحف، والمجلات، تمارس دوراً تثقيفياً مكثفاً يصل لكل بيت. أين ذهبت هذه الحملات؟ وأين هو التنسيق بين وزارات الإعلام، والتربية، والداخلية، والقطاع الخاص؟ ما نشهده اليوم هو تقصير فعلي في التوعية، جعل كثيراً من شبابنا عُرضة للضياع من دون أن يشعر أحد بهم حتى يقع المحظور.
المطلوب اليوم ليس فقط الحزم في تطبيق القانون، بل النظر من بُعد إنساني كذلك. المطلوب أن نُعيد تفعيل أدوات التوعية، لا أن ننتظر حتى تنفجر المأساة، ونكتفي بالتشهير بعد فوات الأوان.
في معركتنا ضد الإدمان، لنتذكَّر أن العدل لا يعني فقط العقوبة، بل أن تكون العقوبة في مكانها، دون أن تتحوَّل إلى وصمة أبدية. البعض يحتاج يداً تمتد، لا لتفضحه، بل لتنتشله من الضياع.
بالقلم الأحمر: نكرر... التشهير عقوبة فوق العقوبة.