تغيّر المناخ، الذكاء الاصطناعي، الحروب النووية، الأوبئة، كلها باتت تُصنَّف كـ «مخاطر وجودية». لكن خلف هذا المصطلح الرائج، يكمن قلق إنساني أعمق: الخوف من الموت وفقدان المعنى.
معظم من يستخدمون هذا الوصف لا يقصدون فلسفة سارتر أو كامو. ومع ذلك، فإن الكلمة تحمل في اللاوعي الجمعي أصداء من الوجودية، التي تتمحور حول الحريّة، والقلق، والفراغ، وقبل كل شيء، الموت.
فالقول إن قضية ما «وجودية» لا يعني فقط أنها خطيرة، بل إنها تهدد جوهر الإنسان ومعنى وجوده.
في علم النفس، للكلمات أحيانًا معانٍ مزدوجة واعية ولاواعية. ومصطلح «وجودي» يبدو اليوم مشحونًا نفسيًا أكثر من كونه توصيفًا عقلانيًا. ويبدو أن هذا الاستخدام المكثف للمصطلح في الخطاب السياسي الأميركي يعكس فقدانًا جماعيًا للهدف، خاصة مع تصاعد الشعور بالهشاشة وسط الشباب.
العوامل عديدة: الوباء، الأزمات الدولية، تراجع التدين، انتشار العزلة، انفجار التواصل الرقمي وما يصاحبه من شعور بالتفاهة... كلها تغذّي مشاعر القلق واللاجدوى. وهنا يأتي «الخطر الوجودي» كوسيلة نفسية للهروب من مواجهة الموت ذاته، بتوجيه القلق نحو قضايا ملموسة، البيئة، السياسة، أو النظام العالمي.
وفق «نظرية إدارة الرعب»، يواجه الناس قلق الموت بمحاولات تعزيز تقدير الذات وترك إرث أو الدفاع عن رؤيتهم للعالم. لكن حين تُحمّل القضايا السياسية هذا القلق الوجودي، تصبح ساحات صراع عاطفي لا عقلاني، وقد تؤدي إلى تطرُّف أو استبداد.
يبحث كثيرون لا شعوريًا عن دولة قوية تحميهم من هشاشتهم، مما يفتح الباب لتوسّع الدولة كبديل نفسي عن السيطرة الذاتية.
لكن في النهاية، لا السياسة ولا القوانين تستطيع أن تهب المعنى. فالبحث عن الغاية، وتحمّل المخاطر، وتقبّل عدم اليقين، هو وحده ما يمنحنا السلام النفسي، والحرية، والصحة العقلية.
*أندرو هارتز طبيب نفسي... ومؤسس معهد العلاج المفتوح.