في مشهد متسارع يعكس التحولات الجذرية في النظام الإقليمي للمنطقة، تناول تقرير في صحيفة وول ستريت بعنوان «إسرائيل تسابق الزمن لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بلا قيود»، أن «إسرائيل ستجبر إدارة ترامب على اللحاق بها، أي الدخول في مواجهة إيران»، وذلك في وقت تتراجع الولايات المتحدة عن دورها المعهود والسابق في محاولات التهدئة لأي توترات في المنطقة.

هذا الانكفاء الأميركي، كما تناول التقرير، يعيد للأذهان دور واشنطن في سنة 1956 حين كبحت العدوان الثلاثي على مصر، تجنباً لتوسع الحرب، أما اليوم فالمشهد تبدل، فضربت إسرائيل «أكثر من 250 هدفا خلال 50 ساعة من الغارات»، دون أن تظهر إدارة ترامب ــ وفقاً للصحيفة ــ أي نية لكبح جماح هذه الحرب، بل بادرت لتأكيد الدعم لإسرائيل، وهي إشارة للمواجهة «بلا قيود».

Ad

فالرهان على استعادة الإدارة «الترامبية» دورها التاريخي قد لا يكون واقعياً في ظل أولوياتها الداخلية، وهنا أمام هذا التحول في موقف واشنطن، يبرز تحد استراتيجي أمام دول الخليج، هل تواصل انتظار التوازنات ما بعد الحرب، أم تبادر للبحث عن توافقات مع من يمكنه ملء الفراغ الأميركي؟

غياب الدور الأميركي عن وقف هذه الحرب يهدد الأمن الخليجي بشكل أو بآخر، خاصة إذا ما توسعت دائرة التصعيد، فتظل دول الخليج معنية بشكل مباشر بحفظ استقرارها وتأمين مصالحها الاقتصادية لاسيما في ظل حساسية الممرات الملاحية لإمدادات أسواق الطاقة العالمية.

وهنا يبرز سؤال مهم، ما طبيعة الدور الذي يمكن أن تؤديه دول الخليج في ظل هذا الفراغ؟ تاريخيا لطالما اعتمدت دول الخليج على سياسة متزنة في التعامل مع الأزمات الإقليمية التي مرت بها المنطقة قائمة على التهدئة والحوار، وبناء تحالفات دولية متعددة الأقطاب، لكن اليوم المتغيرات المتسارعة تفرض التفكير في أدوات إضافية تشمل إلى جانب التنسيق الكبير الذي ظهرت عليه فور اندلاع الحرب، تكثيف الجهود الدبلوماسية مع الأطراف الفاعلة التي يمكنها الضغط لإيقاف النزاع.

والمرحلة المقبلة قد تشهد بروز ترتيبات أمنية جديدة، وفي ظل هذه التوترات التي قد تمتد لعقود من الزمن، لا شك أن الدور الخليجي سيكون محورياً في أي صيغة استقرار قادمة للمنطقة وشريكاً فاعلاً في ضمان أمنها واستقرار مصالحها الاقتصادية.