وسّعت إسرائيل نطاق هجومها على إيران «حجماً ونوعاً»، بعد أن عاشت ليلة مؤلمة، مساء السبت ـ الأحد، من جراء الصواريخ الإيرانية، في حين بدأت ترتسم في الأفق بوادر مسار دبلوماسي قد يوقف الحرب عند هذا الحد، ويجنب المنطقة والعالم احتمالات خطيرة في مقدمتها شبح تسرب إشعاعي قد ينجم عن استهداف المواقع النووية الإيرانية.
وفي اليوم الثالث من عدوانهم، هاجم الإسرائيليون مطار مشهد شرق إيران، في أبعد نقطة يصلون إليها حتى الآن، كما قصفوا مواقع قرب البرلمان الإيراني ومؤسسات اقتصادية وقواعد عسكرية، وجددوا الضربات على مفاعلي نطنز وأصفهان، بعد أن دعوا سكان المناطق المجاورة لمنشآت نووية إلى إخلائها، في مشهد يذكر بأوامر الإخلاء في غزة ولبنان.
وليل السبت - الأحد قُتل 13 إسرائيلياً وفُقد 35 بصواريخ إيرانية، وتضررت مصفاة حيفا ومركز «وايزمان» للأبحاث. واتهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان واشنطن بالتورط مباشرة بالحرب، في وقت شدد وزير خارجيته عباس عراقجي على أن «طهران لا تريد إطلاقاً توسيع الحرب إلى دول أخرى أو المنطقة إلا إذا فرض عليها ذلك»، معتبراً أن منطقة الخليج «حساسة ومعقدة للغاية، وأي تطور عسكري فيها لن يؤثر فقط عليها فحسب بل على العالم أجمع».
ووسط تزايد المؤشرات على أن تل أبيب تنوي اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن «تغيير النظام الضعيف في إيران» كنتيجة للحرب، حاثاً الشعب الإيراني على الثورة.
وكشف مصدر لـ «الجريدة» عن وجود غضب في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من نتنياهو، الذي كان تعهد بتدخل أميركي لمساعدة إسرائيل في ضرب بعض المفاعلات النووية المحصنة تحت الأرض.
وأشارت تقارير إلى أن إسرائيل طلبت رسمياً تدخلاً أميركياً لدعمها خصوصاً أن عدم إخراج منشأة فوردو المحصنة من الخدمة يعني أن العملية الإسرائيلية بأسرها لن تكون مجدية.
وبحسب المصدر، أبلغت وزارة الدفاع الأميركية الجيش الإسرائيلي بأن واشنطن لم تقدم أي تعهدات بدخول الحرب.
وبعث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، بإشارت متضاربة حول الحرب، حيث دعا البلدين إلى «إبرام تسوية»، معبّراً عن ثقته بإمكانية إحلال السلام «قريباً» بينهما، لكنّه قال في الوقت نفسه إنه من الممكن أن تتدخل الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل.
وأعرب ترامب عن انفتاحه على وساطة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسط معلومات إسرائيلية بأن ترامب طلب من نظيره الروسي إبلاغ المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي أن نظامه في خطر. واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، خامنئي بتحويل طهران إلى بيروت وسكانها إلى رهائن لحماية نظامه.
وفي تفاصيل الخبر:
مع تدحرج المواجهة المتواصلة بين إيران وإسرائيل منذ ثلاثة أيام باتجاه حرب مفتوحة قد تمتد شظاياها إقليمياً، هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالتعامل مع طهران على غرار النموذج الذي اعتمده في لبنان، معلناً أنه وجه تعليمات للجيش الإسرائيلي، بإصدار أوامر إخلاء لسكان العاصمة الإيرانية القاطنين قرب مجمعات إنتاج الأسلحة».
وقال كاتس إنّ «الديكتاتور الإيراني»، في إشارة إلى المرشد علي خامنئي، «يحوّل طهران إلى بيروت، ويُحوّل سكان طهران إلى رهائن من أجل بقاء نظامه»، معتبراً أن «الجيش الإسرائيلي يواصل تقشير جلد الأفعى» الإيرانية بقوة هائلة، بدءاً من الأسلحة النووية وصولاً إلى طهران وفي كل مكان آخر».
وعقب ذلك وجّه المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي آفيخاي أدرعي، «إنذاراً عاجلاً إلى سكان إيران»، قائلاً «نحثّ كل الموجودين هذه الساعة أو في المستقبل القريب في مصانع الأسلحة بكل إيران والمنشآت الدّاعمة لها، على إخلاء هذه المنشآت فوراً وعدم العودة إليها حتّى إشعار آخر»، حيث تداول رواد منصات مشاهد لازدحام سيارات على طريق رئيسي قالوا إنها تظهر عملية نزوح كبيرة بعيداً عن المقار العسكرية.
«وعيد وحزن»
في موازاة ذلك، توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران بأنها «ستدفع ثمناً باهظاً جداً»، بسبب قتل المدنيين النساء والأطفال، بعد ساعات من شنّ الجمهورية الإسلامية ضربات صاروخية واسعة على تل أبيب وحيفا.
وقال نتنياهو، خلال زيارة إلى منطقة «بات يام» جنوبي تل أبيب، التي تعرضت لدمار غير مسبوق عقب موجة قصف صاروخية إيرانية فجر الأحد، إن إسرائيل «ستحقق أهداف الحرب وستزيل التهديد النووي الذي تمثله إيران».
وأضاف: «نحن هنا لأننا نخوض معركة وجودية، وأعتقد أن كل مواطن في إسرائيل يفهم ذلك الآن».وأشار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنه «صباح حزين وصعب جداً. قُتل وأُصيب إخوتنا وأخواتنا الليلة الماضية، في هجمات إيرانية إجرامية على السكان المدنيين في بات يام وتمار وبلدات أخرى»، معتبراً أن على المجتمع الدولي العمل على إزالة البرنامج النووي الإيراني إذا كان يريد التهدئة.
كما هدد عضو «الكابينيت» وزير الخارجية الأسبق، إيلي كوهين، خلال زيارة لموقع القصف في بات يام، بأن إسرائيل سترد بقوة «ومقابل كل مبنى يسقط في إسرائيل، سنُسقط 100 مبنى في إيران».
ضربات مكثفة
وبموازاة التهديدات السياسية، أعلن الجيش الإسرائيلي أن سلاح الجو وسّع ضرباته ومدها لأبعد نقطة منذ بدء هجومه الجمعة الماضية مع تكثيف حملة القصف لتشمل مؤسسات سياسية واقتصادية ونووية ومقرات وقواعد للقوات الجوية والبحرية في عدة محافظات بينها طهران ومشهد (أبعد نقطة) وأصفهان وتبريز.
وذكر الجيش أنه هاجم منصات صواريخ إيرانية جاهزة للإطلاق ودمرها قبل استخدامها بقصف الدولة العبرية بالإضافة إلى رادارات رصد.
وشنّت طائرات مقاتلة ومسيرات عسكرية إسرائيلية ضربات مكثفة وواسعة شملت عدة مناطق غرب إيران.
وشملت الضربات مقر وزارة النفط ومقر حكومي وآخر استخباراتي في شارع وسط العاصمة بما في ذلك «ولي عصر» الأشهر، بالإضافة إلى استهداف مقر البرلمان ومقر شرطة العاصمة حيث سقط قتلى وجرحى، فيما تحدثت تقارير إيرانية عن تفعيل وسائط الدفاع الجوي شمال غرب طهران للتصدي إلى الهجمات.
وذكرت وكالة أنباء «فارس» بأنّ «الكيان الصهيوني استهدف مبنى سكنياً في شارع كشاورز وسط العاصمة» يعتقد أنه بمنطقة سكن لعائلات القوات الجوية.
وأفاد الجيش الإسرائيلي من جهته بأنه ضرب «أكثر من 80 هدفاً» في طهران الليلة الماضية من بينها المركز الرئيسي لتخزين الوقود وسط العاصمة حيث تسببت أصوات الانفجارات واشتعال النيران في موجة ذعر.
وأوضح أن 50 طائرة هاجمت بنى تحتية وأهداف مرتبطة بالبرنامج النووي في طهران. وكشف المتحدث باسم الجيش آفيخاي أدرعي، أن قواته هاجمت «أكثر من 170 هدفاً وأكثر من 720 بنية تحتية عسكرية خلال أقل من ثلاثة أيام»، في إطار العملية التي أُطلق عليها اسم «الأسد الناهض».
وأشار إلى مهاجمة «مقر وزارة الدفاع الإيرانية ومقر قيادة (سبند) الخاص بالمشروع النووي والمزيد من الأهداف التي أخفى فيها النظام الإيراني أرشيفه النووي».
وشدد على أنه مستمر في تكثيف الضربات «لحرمان النظام الإيراني من إمكانات ومكونات حيوية لإنتاج سلاح نووي».وجاءت الضربات المكثفة والنوعية بعد أن إعلان سكرتير الحكومة أن إسرائيل «ليست لديها القدرة على اعتراض كل الصواريخ الإيرانية ودفع تكاليفها»، معتبراً أن «الحل هو في مهاجمة إيران لأن خير وسيلة للدفاع الهجوم».
استهداف خامنئي
وبينما أكدت المصادر العسكرية الإسرائيلية أن الحملة متواصلة وأن الجيش يمتلك بنكاً كبيراً من الأهداف التي لم تستهدف داخل إيران، نقل عن مسؤول إسرائيلي كبير تأكيده أن تدخل أميركا ضروري لاستكمال أهداف الحرب على الجمهورية الإسلامية.
ولفت المسؤول إلى أنه «إذا لم ندمر مفاعل فوردو فإن العملية ستكون غير مجدية»، معرباً عن مخاوفه من احتمال لجوء واشنطن إلى الضغط على بلده لوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها خشية أن تمتد إقليمياً وسط استمرار الاضطرابات الموازية للعدوان المتواصل على غزة.
وفي خطوة لافتة تشير إلى احتمال لجوء حكومة الاحتلال لتوجيه ضربة قاضية لرأس النظام الإيراني، أفادت تقارير بأن وزراء الحكومة الإسرائيلية اطلعوا على تقرير يفيد بأن المرشد الإيراني هو من «أصدر الأوامر» باستهداف المدنيين الإسرائيليين في إحاطة سرية عبر تطبيق «زووم»، في خطوة اعتبرتها تل أبيب «تصعيداً استثنائياً» في المواجهة غير المسبوقة بين العدوين اللدودين.
ويأتي الكشف عن التقرير بعد ليلة دامية شهدتها مدن إسرائيلية عدة في مقدمتها تل أبيب وحيفا والقدس وطمرة العربية، ليل السبت - الأحد، إذ استهدف «الحرس الثوري» الإيراني منطقتي برحوفوت وبات يام جنوب تل أبيب بأكثر من 50 صاروخاً أصاب بعضها أبنية سكنية بشكل مباشر ما تسبب بتدميرها وبوجود عالقين ومفقودين تحتها. كما تسبب الهجوم الذي استخدمت فيه صواريخ بالستية وفرط صوتية مزودة برؤوس شديدة الانفجار لأول مرة من نوع «عماد» و«خيبر» و«حاج قاسم» في إصابة معهد الأبحاث العسكري الأبرز «وايزمان» إضافة إلى مصفاة النفط في حيفا.وأحصت إسرائيل مقتل 13 وفقدان 35 وإصابة نحو 250، شخصاً معظمهم في منطقتي برحوفوت، وبات يام جنوب تل أبيب إضافة إلى مقتل 4 سيدات في منطقة طمرة ذات الأغلبية العربية.
احتماء ووعيد
على الجهة المقابلة، دعت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني الإيرانيين للاحتماء في المساجد والمدارس خلال الهجمات الإسرائيلية، كذلك محطات مترو الأنفاق التي ستظل مفتوحة طوال الوقت اعتباراً من الليلة. وأضافت مهاجراني: «لا توجد أي مشكلة في توفير الغذاء والدواء والوقود».
وفي وقت ألغت طهران مراسم كانت مقررة غداً لتشييع قادة «الحرس الثوري» والجيش الذين سقطوا في الضربة الإسرائيلية الافتتاحية، أعلنت وزارة التربية إلغاء إجراء اختبارات نهاية العام مع تحضر البلاد لموجة مكثفة من الضربات التي ستحدث فوضى بعموم البلاد من أجل تحريك الشارع ضد النظام.
ونقلت «رويترز» عن مصدرين خليجيين أن 14 عالماً نووياً إيرانياً على الأقل قتلوا في هجمات إسرائيلية منذ يوم الجمعة الماضي، بعضهم في تفجيرات بسيارات ملغومة.
وأمس اتهمت السلطات الإيرانية إسرائيل بشن هجمات بـ5 عبوات ناسفة في مناطق بطهران، فيما قتل 31 شخصاً في هجمات إسرائيلية على تبريز معظمهم عسكريون.
من جانبه، قال قائد «حرس الحدود» الإيراني إن قواته رصدت ودمرت 44 طائرة مسيّرة صغيرة الحجم تابعة لإسرائيل على حدود البلاد خلال آخر يومين، فيما ذكرت الشرطة أنها أوقفت عملاء قاموا بتصوير الهجمات الإسرائيلية في إصفهان.
وهدد قائد مقر «خاتم الأنبياء» الإيراني اللواء علي شادماني بأن «العمليات العسكرية ستستمر بشكل أعنف حتى يندم العدو بشكل كامل»، فيما أعلن «الحرس الثوري» مقتل سبعة من كبار ضباط القوات الجوية الفضائية التابعة له جراء الضربات الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي، وذكرت مصادر أن القادة تجاهلوا تحذيرات سابقة بعدم التجمع في مكان واحد حيث قصفتها إسرائيل.
وتعهد قائد الجيش الإيراني الجديد أمير حاتمي بتوجيه «ضربات مؤثرة وحاسمة» لإسرائيل، مشدداً على أن قواته ستدافع عن استقلال وسيادة الجمهورية الإسلامية وحرمتها حتى آخر نفس.
تهديدات نووية
ورداً على التهديد الإسرائيلي بإخلاء المناطق السكنية القريبة من المؤسسات العسكرية والنووية، أصدر «الحرس الثوري» الإيراني بياناً دعا فيه الإسرائيليين إلى الابتعاد عن المنشآت العسكرية والنووية حتى إشعار آخر، بينما اعتبر برلماني إيراني أن الوقت قد حان لقصف مفاعل ديمونا الإسرائيلي.
ووسط سيل القصف والقصف المتبادل والتهديدات المتبادلة بين الإسرائيليين والإيرانيين باستهداف المنشآت النووية وما تحمله من مخاطر إحداث تسريبات وتلوث إشعاعي لن تتوقف عند حدود البلدين، ذكرت الخارجية الإيرانية أن طهران ستتوقف عن مشاركة المعلومات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وذكر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلده طلبت من مدير الوكالة الدولية عقد جلسة طارئة حول استهداف مفاعل نطنز، لافتاً إلى أن طهران تنتظر تحركاً جاداً من المجتمع الدولي حول استهداف مفاعل التخصيب الذي أفيد بأن منشآته الواقعة على سطح الأرض أصيب بأضرار بالغة.
وادعى عراقجي أن بلده لديها دلائل تثبت تورط واشنطن في العدوان، معتبراً أن على أميركا تحمل مسؤوليتها.
ورأى المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان إبراهيم رضائي أنه «حان وقت انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي»، مشيراً إلى أنه «كان من المفترض أن تضمن المعاهدة الدولية أمننا، لا أن تصبح سبباً لانعدام الأمن».
في موازاة ذلك، رأى ممثل المرشد الإيراني لدى القوات المسلحة، علي سعيدي، أنه «منذ الليلة الماضية، يوجد تغير واضح في لهجة المسؤولين الأميركيين، حيث شعروا أنهم ارتكبوا خطأ، والكيان الصهيوني بات في موقف ضعيف، وهو يواجه الآن الواقع الفعلي للقدرات الدفاعية والهجومية لإيران».
وتابع سعيدي أنه: في عملية «الوعد الصادق 3»، التي تنفذها إيران رداً على الهجمات الإسرائيلية، جزء من الصواريخ المستخدمة كان من الأجيال القديمة، ولو تم استخدام التكنولوجيا الأحدث، لأدرك الكيان الصهيوني حينها القوة الحقيقية لإيران.
تحركات دولية
وفي وقت يخشى من أن يتحول النزاع إلى أزمة دولية أوسع، ذكرت تقارير إيرانية أن طائرة شحن عسكرية صينية ثانية هبطت في أحد مطارات إيران، مشيرة إلى أن الطائرة الأولى كانت وصلت يوم أمس.
كما نقلت تقارير التي تداولتها منصات حكومية إيرانية أن طائرة باكستانية نقلت 600 صاروخ إلى الأراضي الإيرانية خلال الساعات الماضية، في إطار تعهد وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف، بمواجهة «العدوان الإسرائيلي» على إيران.
في المقابل، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلاده ستعزز وجود سلاح الجو الملكي في الشرق الأوسط، بإرسال المزيد من الطائرات المقاتلة إلى المنطقة خشية أن يتحول القتال بين وإيران إلى حرب شاملة.
العراق ينشر دفاعات جوية
أفادت تقارير ومصادر محلية بأن العراق بدأ، أمس، بنشر دفاعات جوية في مناطق متفرقة من البلاد، بعد ضغوط إيرانية لمنع استخدام الأجواء العراقية من الطائرات الإسرائيلية، وبعد أن أسقطت قوات التحالف الدولي الموجودة في العراق طائرتين مسيّرتين إيرانيتين.
وغداة إعلانه أن العراق سيبعث شكوى رسمية لمجلس الأمن حول خرق أجوائه من إسرائيل، جدد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، أمس، رفض بلاده بشدة اختراق أجواء العراق في الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل، وهو كان ومازال يبذل أقصى درجات ضبط النفس والابتعاد عن الصراعات في المنطقة، مع تقديم مصلحة الشعب العراقي أولاً.
وقال السوداني، خلال استقباله سفير الاتحاد الأوروبي توماس سيلر، «إن العدوان الصهيوني الأخير على إيران يمثّل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في العراق والمنطقة، وأن المقصود منه عرقلة كل الجهود الدبلوماسية التي جرى بذلها، في انتهاك صارخ للقواعد والأعراف القانونية والدولية».
وخلال اتصال مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكّد السوداني «حرص العراق على عدم اتساع نطاق الحرب»، مشيراً إلى «الحراك الذي تقوده الحكومة العراقية على مختلف المسارات من أجل منع اختراق الأجواء العراقية من قبل الكيان الصهيوني»، وفق بيان صدر عن مكتبه. وأبدى السوداني «استعداد العراق لتقديم كل أنواع المساعدات اللازمة لمعالجة آثار العدوان».
وخلال الاتصال، حضّ بزشكيان العراق على منع إسرائيل من استخدام مجاله الجوي وأراضيه. وقال وفق بيان إيراني: «نؤكد أن الحكومة العراقية يجب أن تمارس المزيد من اليقظة وحماية حدودها ومجالها الجوي كي لا تتم إساءة استخدام الأراضي العراقية ضد الجمهورية الإسلامية».
بدوره، أكد مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، أمس، أن الحكومة العراقية ترفض رفضاً قاطعاً أن تكون البلاد منطلقاً للاعتداء على دول الجوار.
ووسط تقارير عن انفجار قرب مقر السفارة العراقية في العاصمة الإيرانية طهران، نقلت وكالة فرانس برس عن مسؤولين عسكريين عراقيين قولهما إن قوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش المتمركزة في قاعدة عين الأسد غرب العراق، والتي تقودها واشنطن أسقطت طائرتَين مسيّرتَين «إيرانيتَين» كانتا متجهتين إلى إسرائيل. وعلّل مسؤول عسكري آخر الخطوة بأن التحالف الذي تقوده واشنطن «قد يكون اعتبر أن المسيّرتَين عدائيتان»، نظرا لتحليقهما «على مقربة من أجواء القاعدة في محافظة الأنبار» بغرب العراق. وسبق لهذه القوات أن أسقطت الجمعة «مسيّرة مفخخة»، وفق مسؤول أمني عراقي.
رسائل متضاربة من ترامب: مستعد لإنهاء الحرب أو للمشاركة فيها
تكثفت التحركات والاتصالات الدبلوماسية الدولية والإقليمية في محاولة لبناء مسار دبلوماسي يوقف الحرب بين إسرائيل وايران ويجنّب المنطقة والعالم تداعيات شديدة السلبية، بينها خطر تسرّب إشعاعي من المواقع النووية الإيرانية، وضغوط على الاقتصاد العالمي، وحرائق إقليمية لا يمكن حصرها.
جاء ذلك، فيما أرسل الرئيس الأميركي إشارت متضاربة حول الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، حيث دعا البلدين الى «إبرام تسوية»، معبّراً عن ثقته بإمكانية إحلال السلام «قريباً» بينهما، لكنّه قال في الوقت نفسه إنه من الممكن أن تتدخل الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.
ورداً على سؤال حول معلومات عن مطالبة إسرائيل لواشنطن بالتدخل لمساعدتها في الحرب، قال ترامب في مقابلة مع شبكة إيه بي سي نيوز: «لسنا منخرطين في العملية بالوقت الراهن، لكن من الممكن أن نتدخل لمساعدة إسرائيل للقضاء على البرنامج النووي الإيراني».
وفي الوقت نفسه، ذكر أنه «منفتح» على أن يؤدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دور وساطة في النزاع بين إيران وإسرائيل. وكان بوتين قد عرض التوسط بين تل أبيب وطهران لوقف الحرب بينهما، وبين واشنطن وطهران للعودة الى المفاوضات النووية، وذلك خلال اتصال مع ترامب أمس الأول لمعايدته بمناسبة ذكرى ميلاده.
وبالتزامن، كتب ترامب عبر منصته «تروث سوشيال»: يجب على إيران وإسرائيل أن تتوصلا إلى اتفاق، وسوف تتوصلان إلى ذلك، تماماً كما فعلتُ مع الهند وباكستان، حين استخدمت التجارة مع الولايات المتحدة لإدخال العقل والمنطق والتماسك في المحادثات مع قائدَين ممتازَين كانا قادرَين على اتخاذ قرار سريع وإيقاف التصعيد!
كذلك، خلال فترتي الرئاسية الأولى، كانت صربيا وكوسوفو على شفا مواجهة شديدة كما كانت الحال لعقود، وكان هذا النزاع المستمر على وشك أن يتحول إلى حرب، أوقفتُ ذلك (لكن بايدن أضر بالآفاق طويلة الأمد ببعض القرارات الغبية جداً، وسأُصلح ذلك مجدداً!). مثال آخر هو مصر وإثيوبيا، وصراعهما حول سدّ ضخم يؤثر على نهر النيل العظيم. هناك سلام حالياً، على الأقل حتى الآن، بفضل تدخُّلي، وسيبقى كذلك! وبالمثل، سيكون هناك سلام قريباً بين إسرائيل وإيران! هناك العديد من الاتصالات والاجتماعات تجري الآن. أقوم بالكثير، ولا أحصل على أيّ تقدير، لكن لا بأس، الشعب يفهم. لنجعل الشرق الأوسط عظيما من جديد!».
وفي موسكو، قال مبعوث الاستثمار الروسي، كيريل دميترييف، في منشور على منصة إكس إن بوسع روسيا أن تؤدي «دورا رئيسيا» في التوسط بالنزاع بين إسرائيل وإيران.
جاء ذلك، فيما أكد مسؤول كبير في مجلس الوزراء الإسرائيلي أن «جهود الوساطة بدأت خلف الكواليس».
وأوضح المسؤول، الذي لم يتم الكشف عن هويته، أنه «لا يوجد حتى الآن أي مقترح ملموس لوقف إطلاق النار» - وفق صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في موقعها الإلكتروني - وأضاف أنه عمليا لا يوجد ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف إطلاق النار: «لدينا المزيد من المفاجآت، ولدينا تصميم كبير».
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قد صرح أمس، بأن بلاده لم ترسل أي رسالة إلى إسرائيل عبر أي دولة، واصفاً هذه الادعاءات بـ «الكاذبة تماما».
وأفادت وكالة مهر للأنباء بأن تصريحات بقائي جاءت ردا على ادعاء إحدى وسائل الإعلام الأجنبية بأن «الجمهورية الإسلامية أرسلت رسالة إلى الاحتلال الإسرائيلي عبر قبرص»، قائلا: «إيران لم ترسل أي رسالة إلى إسرائيل عبر أي دولة.» وأشارت «مهر» إلى أن «صحيفة سايبريس ميل كانت قد زعمت أن رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مسعود بزشكيان، طلب من رئيس قبرص الجنوبية نقل رسالة إلى الاحتلال الإسرائيلي».
من ناحيته، قال الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس، أمس، إن إيران طلبت من قبرص نقل «بعض الرسائل» إلى إسرائيل، في الوقت الذي ناشدت الجزيرة الواقعة شرق البحر المتوسط الطرفين ضبط النفس في الأزمة المتصاعدة سريعا بالشرق الأوسط. وقال مكتب الرئيس القبرصي إن كريستودوليديس تحدّث إلى نتنياهو، أمس، كما تحدّث إلى قادة مصر والإمارات واليونان.
ولم يقدّم المسؤولون القبارصة توضيحا بشأن طبيعة الرسائل، التي جاءت بعد أن تحدث وزير الخارجية القبرصي إلى نظيره الإيراني مساء الجمعة.
وقال وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، إن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مستعدة لإجراء محادثات على الفور مع إيران بشأن برنامجها النووي، في محاولة لتهدئة الوضع بالشرق الأوسط. وأضاف فاديفول، الذي يزور الشرق الأوسط حاليا، أنه يحاول المساهمة في تهدئة الصراع بين إسرائيل وإيران، وأشار إلى أن طهران لم تغتنم الفرصة في السابق للدخول بمحادثات بناءة. وفي اتصال مع فاديفول، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أمس، أن بلاده ستواصل هجماتها ضد إيران، لأنه لا تزال «هناك أهداف مهمة يجب تحقيقها».
واتهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أمس الولايات المتحدة بدعم الهجوم الإسرائيلي على بلاده، معتبرا أن إسرائيل غير قادرة على القيام بأي عمل دون إذن من واشنطن.
وتابع أن الجمهورية الإسلامية لم تسعَ قط إلى الحرب أو الصراع، مشيرا إلى أن القوات المسلحة، بما في ذلك الجيش والحرس الثوري أظهرا «ردوداً مناسبة وقوية حتى الآن».
وتوعد الرئيس الإيراني إسرائيل بضربات «أكثر حسماً وشدة» إذا «استمرت الأعمال العدائية» على بلاده، داعيا الدول الإسلامية والإقليمية إلى اتخاذ موقف واضح وحاسم وفعال ضد «عدوان» إسرائيل وداعميها.