هناك عبارات أميركية قديمة يجب ألا تُنسى، مثل: «نحن لا نفعل ذلك». إنها ليست مجرَّد كلمات، بل مبادئ ضابطة لسلوك قادتنا. أخيراً، بدا أن هذه العبارة باتت في طيّ النسيان، وهو ما يبعث على القلق.

هذا الأسبوع، ألقى الرئيس دونالد ترامب خطاباً في فورت براج بولاية كارولاينا الشمالية، بمناسبة الذكرى الـ 250 لتأسيس الجيش الأميركي. لم يكن الخطاب تقليدياً أو رسمياً، كما جرت العادة من رؤساء القادة، بل أقرب إلى تجمُّع انتخابي صاخب. الجنود الشبان الذين ظهروا في الخلفية بدوا متحمِّسين بشكل لافت، وكأن الرئيس كان يجنِّدهم لحملته الانتخابية. وعندما سأل ساخراً: «هل تعتقدون أن هذا الحشد كان سيحضر لو أن بايدن هو المتحدِّث؟». قُوبل السؤال بصيحات استهجان.

Ad

الرئيس لجأ إلى لغة عنيفة وصور حربية مُبالغ فيها. قال إن الجنود الأميركيين «أسقطوا إمبراطوريات، وأطاحوا طغاة، وطاردوا الإرهابيين إلى أبواب الجحيم». وأضاف: «مَنْ يهدِّد أميركا، سيطارده الجندي الأميركي، ويدمره، ويقذفه في العدم». كلمات أقرب إلى التهديد العنيف منها إلى الاستعراض الوطني.

ترامب صوَّر نفسه على أنه المُنقذ، وربط ذلك بأحداث داخلية، قائلاً إن «الأبطال لم يضحوا بحياتهم على شواطئ بعيدة لنرى بلادنا تُدمر اليوم بفوضى من العالم الثالث في كاليفورنيا». وأضاف: «هذه الفوضى لن تستمر».

الرئيس أعلن بفخر خطته لإلغاء الضرائب على الإكراميات، وتباهى بانتخابه، ووصف خصومه بـ «المجانين اليساريين الراديكاليين». أما الجنود، فهتفوا بحماسة.

لكن هذا كُله يتجاوز الخط. رؤساء أميركا السابقون كانوا حريصين على عدم تسييس الجيش، أو دفعه لإظهار الولاء لشخص أو حزب بعينه. لأننا – ببساطة – لا نفعل ذلك.

عندما يُزج بالجيش في السياسة، يُنتقص من مكانته الرمزية، ويُنظر إليه كطرف، لا كخادم أمين للوطن بأكمله. استخدام القوات المسلحة لإثبات الولاء أو الرد على الخصوم السياسيين يُضعف ثقة الجمهور في حيادية المؤسسة العسكرية.

في وقت سابق من الأسبوع، أرسل ترامب الحرس الوطني ثم مشاة البحرية إلى لوس أنجلس لقمع تظاهرات ضد وكالة الهجرة والجمارك. لم يقدِّم خطاباً مطوَّلاً يشرح فيه قراره، كما فعل الرئيس جورج بوش الأب خلال اضطرابات لوس أنجلس عام 1992، حين خاطب الأميركيين باحترام، وأوضح الظروف الاستثنائية التي قادته لاستخدام القوة.

أما ترامب، فخاطب الأميركيين بلغة غاضبة، قائلاً: «إذا بصقوا، سنضربهم». هذا ليس تحذيراً مسؤولاً، بل إنه تهديد انفعالي. ونحن لا نفعل ذلك.

الرئيس دعا إلى عرض عسكري ضخم في واشنطن نهاية الأسبوع احتفالاً بذكرى تأسيس الجيش، وهو أيضاً تاريخ عيد ميلاده التاسع والسبعين. الخطة تتضمَّن مشاركة 6.600 جندي، و150 مركبة عسكرية، بينها دبابات «أبرامز» ومدرعات «برادلي»، إضافة إلى مدافع وطائرات.

كل ذلك يبدو أقرب إلى استعراضات كوريا الشمالية أو الاتحاد السوفياتي سابقاً، لا إلى التقاليد الأميركية. نحن لا نفعل ذلك. لا نعرض عضلاتنا العسكرية في شوارعنا لإبهار العالم أو خصومنا. قوتنا الحقيقية ليست في الاستعراض، بل في الثقة بالنفس.

مَنْ يفهم التاريخ الأميركي يعرف أننا لا نتفاخر بقوتنا، لأننا لا نحتاج إلى ذلك. قوتنا واضحة، حقيقية، نتركها لحلم خصومنا وكوابيسهم.

إن كان مَنْ حول الرئيس لا يدركون أننا «لا نفعل ذلك»، فربما لم يقرأوا التاريخ، أو ظنوا أنه بدأ معهم، وهذا خطأ فادح.

* بيغي نونان