«أَلأم مِن البَرَم القُرُون» مثلٌ عربي قديم يُطلق على كل بخيل يجر المنفعة إلى نفسه، مفضلاً إياها على أهله وصحبه، ويُضرَب في البخيل الذي يستأثر بالخير حتى عن أقرب الناس إليه، ويُذكر كتوبيخ للشخص الأناني.

وراء هذا المثل حكاية قيلت في رجل من الأبرام كان قد دفَع إلى امرأته قِدْراً لتستطعم بها من بيوت الأيسار كعادة كانت تجري عند البَرَم، فرجعت بِالقِدْر وفيها لحم وسَنَام، فوضعتها بين يديه وجمعت معه الأولاد ليشاركوا في أكل ما فيها، إلا أن الأب أقبل يأكل بنهم قطعتين قطعتين، فقالت له امرأته متبرمةً: «أَلأم مِنْ البَرَم القُرُون»، فصار قولها مثلاً يطلق على من هم على شاكلته.

Ad

فألأَم هنا قد تعني الأنانية، أما البَرَم فهم قومٌ معروفون بالبخل، وهي كناية عن الشحّ، وأما القُرُون فهي جمع للقَرْن الذي هو الوعاء أو القِدْر الصغيرة، فعندما يقال لشخص ما: «أَلأم مِنْ البَرَم القُرون»، فهو إذاً قد بلغ في البخل مبلغ قوم البَرم.

وهناك مثل شبيه به يقال في شديدي البخل، وهو: «أبخل من مَذْقُود»، ومذقود هنا هو اسم لشخص عُرف ببخله حتى صار مثلاً يضرب به، فقد بلغ به بخله أنه كان يعمد إلى إطفاء السراج عند الأكل لكيلا يرى من معه مبلغ ما أكل.

و«يأكل وحده ويضرب عدله»، وهو مثل يطلق على شخص يأكل بمفرده دون مشاركة الآخرين، وإذا سُئل عن ذلك، ضرب عدله دلالة على أنه فارغ، والعدل هنا هو الوعاء.

و«كمثل صاحب الجرة»، وهو رجل كان يخبئ جرةً من العسل في بيته، ويأكل منها سراً، وذات يوم رأته زوجته وهو يأكل منها، فقالت: «ما هذا؟»، فردّ كاذباً: أنا أعالج الجرة بالقطران، مخافة أن تشاركه فيه.

ولكن هناك قصيدة للمتنبي حوت نفس مفردات المثل «أَلأم مِنْ البَرَم القُرُون»، ولكنها حملت معنى مختلفاً تماماً، وهو جزء من قصيدة تُنسب إلى المتنبي قال فيها:

وَلَقَدْ نَظَرْتُ وَلكِنْ لِسْتُ أَرَى

وَصَبْرِي أَلَمٌ مِنَ البَرَم القُرُون

فمعاني المفردات عند المتنبي اختلفت هنا،

فـ «وَصَبْرِي أَلَمٌ مِنَ البَرَم القُرُون» معناها: فصبره أصبح أشد إيلاماً من الضجر الذي تسببه القرون الطويلة، وطول الانتظار والكبت جعل الصبر نفسه عذاباً لا يُحتمل، وأصبح معنى «أَلم مِنْ البَرَم القُرُون»، أي أكثر إيلاماً من دوران القرون، التي هي جمع قرن، أما البَرَم فهي الدوران أو الاستدارة، قاصداً به طول تعاقب الزمن ودوران الأيام، وأصبح المعنى العام لبيت المتنبي يدور حول الشكوى من الانتظار الطويل المؤلم الذي أفقده صبره، ولا علاقة له بالبخل والأنانية والتقتير.