هل لا يزال بإمكان المجتمع الدولي تحقيق إنجازات كبيرة؟

نشر في 23-05-2022
آخر تحديث 23-05-2022 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت عندما افتتح وزير الخزانة الأميركي، هنري مورغنثاو، مؤتمر «بريتون وودز» منذ ما يقرب من 80 عاما، ذكَّر المندوبين بأن فشل التعاون الدولي أدى إلى الكساد الكبير، والانقسام الاجتماعي، والحرب في نهاية المطاف، وفي الختام قال إن «الرفاهية، مثلها مثل السلام، لا تقبل القسمة، ولا يمكننا أن نقبل انتشارها هنا أو هناك بين المحظوظين... فالفقر، أينما وُجد، يهددنا جميعا».

إن هذه الرسالة صالحة لكل الأزمنة، فنحن نواجه مرة أخرى تحديات عالمية لا يمكن مواجهتها إلا عن طريق التعاون الدولي، إذ تعاني أجزاء كبيرة من العالم النامي من الإقصاء من الرخاء العالمي، كما أن الفقر المدقع آخذ في الازدياد، والمكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجالات الصحة والتعليم والتغذية مهددة، والتفاوتات الاقتصادية الفاحشة بالفعل بين البلدان وداخلها آخذة في الاتساع، أضف إلى ذلك أن باب الفرص المتاحة لتجنب كارثة مناخية على وشك أن تغلق، ومع ذلك، فإن التعاون متعدد الأطراف مشلول بسبب التهاون، والتنافسات التافهة، والقومية المتقوقعة.

لقد أتاحت اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لهذا العام، فرصة لتعبئة التمويل اللازم لمنع الارتداد الكامل للتقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وبالمقابل، وصلت الحكومات الغربية ومجموعة العشرين إلى مكان الاجتماع بدون أجندة مشتركة، وأمضت أسبوعا في تبادل الأفكار المبتذلة، وقدمت للعالم مجموعة من التصريحات الغامضة وغير المتماسكة.

ولا يمكننا تقبل فشل بهذا الحجم في القيادة؛ بل يجب أن يكون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما الركيزتان المتلازمتان لنظام «بريتون وودز»، في قلب التعاون الدولي في الاستجابة للتحديات الحاسمة التي تواجه جيلنا، بدءا من الانتعاش ذي الشقين من الانكماش الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا المستجد كوفيد19.

وعلى عكس الاقتصادات المتقدمة، التي تعافت بفضل التمويل الحكومي الهائل وبرامج التطعيم، عانت العديد من الاقتصادات النامية من آثار عميقة. فقد تباطأ النمو، وتراجعت عائدات الضرائب، وأصبح ثلثا البلدان المنخفضة الدخل إما معرضة للديون أو تحت وطأتها، وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي ستحتاج أشد البلدان فقرا إلى 450 مليار دولار إضافية للعودة إلى مسارات التنمية التي كانت تتبعها قبل انتشار الوباء.

وتحُد ضغوط الميزانية من قدرة الحكومات على الدفاع عن مكاسب التنمية البشرية، إذ دفع الوباء بما يقرب من 100 مليون شخص في براثن الفقر المدقع، ومن المقرر أن يرتفع هذا الرقم بسبب تقليص شبكات الضمان الاجتماعي، وحرب روسيا في أوكرانيا التي تعزز تضخم أسعار الغذاء، مما يزيد شبح سوء التغذية المتزايد، أو حتى المجاعة في بعض أنحاء العالم، وإن أكثر من 40 دولة من الأشد فقرا تنفق على خدمة ديونها أكثر مما تنفق على الصحة العامة، كما أن ميزانيات التعليم آخذة في التراجع حتى مع عودة الملايين من الأطفال الأشد حرمانا في العالم إلى الفصول الدراسية حاملين معهم ما لحق بهم من خسائر في التعلم أثناء إغلاق المدارس بسبب الوباء.

وفي ظل هذه الخلفية القاتمة، اكتسب التعاون الدولي لتمويل «تعافي أهداف التنمية المستدامة» درجة جديدة من الإلحاح، وحسب تقديرات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، فإن فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة التي كانت متسعة بالفعل قبل انتشار الوباء زادت بمقدار 1.2 تريليون دولار، هذا دون احتساب الاستثمارات الإضافية البالغة 2 تريليون دولار سنويا اللازمة لدعم استثمارات الطاقة المتجددة في البلدان النامية من أجل تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015.

وعندما التزمت الحكومات بجدول أعمال أهداف التنمية المستدامة قبل سبع سنوات، تعهدت باتباع نهج جديد وجريء لتمويل التنمية من شأنه تحويل «المليارات إلى تريليونات»، وأنشأ مهندسو نظام «بريتون وودز» وسيلة للقيام بذلك في شكل بنوك تنمية متعددة الأطراف.

ويتبع نظام بنوك التنمية المتعددة الأطراف- البنك الدولي ونظرائه الإقليميين- الذي صمم لدعم إعادة الإعمار في أوروبا بعد الحرب، نموذجا ماليا بسيطا ولكنه يتسم بالقوة، إذ بِمبالغ صغيرة من رأس المال المدفوع مدعومة بضمانات حكومية أكبر بكثير (رأس المال القابل للسداد)، يمكن لبنوك التنمية المتعددة الأطراف استخدام تصنيفاتها الائتمانية AAA لإصدار سندات بأسعار فائدة منخفضة وإقراض البلدان النامية، مما يؤدي إلى تعبئة فعالة للتمويل الخاص الموجه للاستثمار العام، ولدى البنك الدولي، أكبر بنك متعدد الأطراف، 19 مليار دولار فقط من رأس المال المدفوع، و278 مليار دولار من رأس المال القابل للسداد.

وللتمويل متعدد الأطراف آثار مضاعفة لا يمكن أن تأتي المساعدة الثنائية بمثلها، فكل دولار واحد يُستثمر في البنك الدولي من خلال رأس المال المدفوع يعبئ 4 دولارات في تمويل جديد، ومع ذلك، يُستغل نظام بنوك التنمية متعددة الأطراف على نحو ضعيف في أحسن الأحوال، فقد اضطلع نظام البنك الدولي بدور صامت في دعم البلدان النامية أثناء الوباء بصرف النظر عن مرفق البنك للقروض الميسرة، المؤسسة الدولية للتنمية؛ كما أن حافظة تمويل بنوك التنمية متعددة الأطراف للتدخلات المناخية في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط تبلغ 38 مليار دولار فقط، وهو جزء بسيط مما هو مطلوب.

ورغم أن بنوك التنمية متعددة الأطراف (لا سيما بنك التنمية الإفريقي) تعاني نقصا في رأس المال، إلا أن المشكلة الأكبر هي التحفظ الراسخ بعمق في الإدارة المالية، إذ يرفض كبار المساهمين- الحكومات الأميركية والأوروبية- السماح بدمج ضمانات رأس المال القابل للسداد في عمليات الإقراض. وبحسب تقديرات الباحثين في معهد التنمية الخارجية، يمكن أن يؤدي تغيير هذه القاعدة إلى تعبئة 1.3 تريليون دولار إضافية، مع تغيير هامشي فقط في التصنيفات الائتمانية وتكاليف الاقتراض.

وأثناء حديثها في اجتماعات الربيع، أعربت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، عن أسفها لفشل بنوك التنمية المتعددة الأطراف في تعبئة التريليونات اللازمة للتعافي من الوباء، ومع ذلك أخفقت إدارة بايدن في إصلاح القواعد المتعلقة برأس المال القابل للسداد.

واصطدمت المحاولات الأخرى للابتكار بعائق بيروقراطي كبير، فقد اقترح غوردون براون، المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتعليم العالمي، نظاما للمنح والضمانات المتواضعة التي يمكن أن تضاعف تمويل البنك من أجل التعليم، وتحقق 10 مليارات دولار، ولكن حتى في مواجهة أزمة التعليم غير المسبوقة، تخلف المانحون عن اتخاذ الاجراءات اللازمة.

إن هذه صورة زائفة لنظام «بريتون وودز»، إذ تتجنب بنوك التنمية متعددة الأطراف الحلول التي من شأنها أن تدعم التعافي، وتمنع الانتكاسات المدمرة في التنمية البشرية، وتجلب الأمل لملايين الأطفال، وكل هذا لتدافع دفاعا ليس في محله عن التصنيفات الائتمانية AAA.

ومن المؤسف أن أجندة بنك التنمية المتعددة الأطراف ليست وحدها التي تعثرت، إذ بعد تسعة أشهر من تعهد حكومات مجموعة العشرين بتخصيص 100 مليار دولار من الإصدار الجديد من صندوق النقد الدولي لحقوق السحب الخاصة (حقوق السحب الخاصة، الأصول الاحتياطية للصندوق) للبلدان الفقيرة، لم يحول سنت واحد من المبلغ، وفي الوقت نفسه، مع خدمة الديون التي من المقرر أن ترتفع بنسبة 45 ففي المئة هذا العام- معظمها سيذهب إلى الدائنين التجاريين والصين- فإن الاستثمارات الحيوية أصبحت تُدفع إلى الخروج، وخطر التخلف عن السداد السيادي غير المنتظم آخذ في الازدياد. ومع ذلك، فإننا لسنا أقرب إلى إطار شامل لخفض الديون مما كنا عليه قبل عام.

ومع تفاقم الأزمة التي أحدثها كوفيد19، دعا بعض المعلقين إلى تجديد نظام «بريتون وودز»، ولديهم وجهة نظر، وهي أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يحتفظان بحوكمة عفا عليها الزمن ويهيمن عليها الغرب، ولكن ما ينقص الاستجابة لتحديات التنمية البشرية المحددة اليوم ليس الهيكل المالي، بل الحس بالإلحاح، والهدف المشترك، والجهود المشتركة التي حددت مؤتمر «بريتون وودز» الأصلي.

* كيفن واتكينز الرئيس التنفيذي السابق لمنظمة Save the Children UK، وأستاذ زائر في معهد فيروز لالجي لإفريقيا في كلية لندن للاقتصاد.

Project Syndicate

back to top