الجناح الشرقي لحلف الناتو يصدّ سلاح الطاقة الروسي

نشر في 18-05-2022
آخر تحديث 18-05-2022 | 00:00
لحماية أمن الطاقة في أوروبا وتقويته في وجه الضغوط الروسية وضمان دعم متواصل للسيادة الأوكرانية، يجب أن ينجح المسار الألماني الجديد في قطاع الطاقة انطلاقاً من القواعد التي تتبناها الدول على الجناح الشرقي من الناتو.
 CEPA أعلنت شركة «غازبروم» التي يسيطر عليها الكرملين في 27 أبريل أنها بصدد وقف شحنات الغاز إلى بولندا وبلغاريا، وهو أحدث إثبات على ميل روسيا إلى استعمال صادرات الطاقة في أوروبا كسلاح بحد ذاته، حيث قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأسلوب ساخر إن هذه الخطوة تأتي رداً على «التحركات غير المسبوقة وغير الودّية» التي اتخذتها الدول الأخرى ضد الاتحاد الروسي.

اعتبر بعض المراقبين قرار «غازبروم» بوقف إمداداتها مرحلة جديدة من تصعيد الكرملين ضد الغرب بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن لم يصدم هذا القرار أحداً لأنه يتماشى مع تحركات موسكو الخبيثة تجاه أوروبا في مجال الطاقة على مر السنين.

إنها أحدث خطوة من سلسلة تحركات تتزامن مع الأزمة التي افتعلها الكرملين في قطاع الغاز داخل أوروبا بدءاً من منتصف عام 2021، وهي تسمح للمدافعين عن «غازبروم»، من أمثال بيسكوف، بطرح أفكار غير منطقية لتفسير تصرفات الشركة واعتبارها «تجارية بحت»، إذ تحاول هذه المجموعة الاستثنائية من الشخصيات المعروفة بشعاراتها السخيفة منذ عقود، بما في ذلك أسماء مثل المستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر، إعاقة كل ما لا يتماشى مع فكرة الكرملين الهزلية القائلة إن «روسيا لطالما كانت من أبرز موردي الطاقة الجديرين بالثقة في أوروبا».

بعد إقدام روسيا على ضم شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية وغزو شرق أوكرانيا، أعلن المجلس الأوروبي في يونيو 2014 أن تخفيف الاتكال على مصادر الطاقة الخارجية سيصبح من أبرز الأولويات الاستراتيجية لدى الاتحاد الأوروبي، وفي فبراير 2015، أعطت المفوضية الأوروبية طابعاً رسمياً لهذا الاقتراح وحوّلته إلى إطار عمل خاص بسياسة الاتحاد الأوروبي للطاقة، وبدءاً من تلك اللحظة، تجدّد التركيز على تطوير «معدات» أمن الطاقة (أي إنشاء البنية التحتية اللازمة لتنويع المصادر) و»برمجيات» فاعلة (أي فرض تنظيمات لتحرير السوق) بهدف تخفيف الاتكال على موارد الطاقة الروسية، تزامناً مع محاربة الممارسات الاحتكارية التي تطبّقها الشركات الروسية المملوكة للدولة في قطاع الطاقة الأوروبي، وعلى رأسها شركة «غازبروم».

كانت بولندا وبلغاريا تتوقعان انقطاع إمدادات الغاز الروسي، فما الذي يهدف إليه الكرملين من هذه الخطوة إذاً؟ باختصار، يبدو أنه أراد إطلاق تحذير للدول التي تتكل بشدة على الغاز الروسي ولا تزال بعيدة عن تنويع مصادرها، فضلاً عن تشجيع كل من يرغب في تجاوز العقوبات المرتبطة بملف أوكرانيا ودعم عملة الروبل.

اتضحت هذه النزعة في المجر مثلاً، فحين عمدت بولندا إلى تخفيف اتكالها على إمدادات الطاقة الروسية، سعت حكومة فيكتور أوربان بكل قوتها إلى تعميق روابطها مع روسيا في مجال الطاقة على اعتبار أن هذه العلاقات تضمن صفقات مفيدة، وترافقت هذه الخطوة مع دعم الجزء الثاني من خط أنابيب «ترك ستريم» المدعوم من الكرملين في أواخر السنة الماضية، كذلك أبطأت الحكومة حظر الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسية، وتعتبر المجر أنها تتصرف بما يخدم مصالحها، لكن يظن منتقدوها أنها تعمل على تحقيق مصالح بوتين. تشهد ألمانيا تطورات أكثر إيجابية، وعلى عكس سياسات تنويع مصادر الطاقة التي تُطبَّق راهناً على طول الجناح الشرقي لحلف الناتو، فضّلت ألمانيا الاستفادة من إمدادات الغاز قليلة الكلفة وسعت طوال سنوات إلى زيادة اتكالها على روسيا عبر مشروع خط أنابيب «نورد ستريم 2» الذي لم يعد ناشطاً اليوم، لكن بدأ الوضع يتغير ببطء خلال المرحلة المفصلية الجديدة التي ترتكز على ردع الكرملين في الوقت الراهن، ففي 5 مايو الماضي، حضر وزير الاقتصاد روبرت هابيك من «حزب الخضر» مناسبة مهمة للاحتفال بأول محطة للغاز الطبيعي المسال في مدينة «فيلهلمسهافن» الألمانية، ثم توقّع بكل جرأة «القيام بما كان مستحيلاً في ألمانيا، أي بناء محطة للغاز الطبيعي المسال خلال 10 أشهر تقريباً وربطها بإمدادات الغاز الألمانية».

كذلك، أعلن هابيك في 12 أيار أن الكرملين يستعمل الطاقة «كسلاح»، وهو تقييم حقيقي للألاعيب التي تمارسها روسيا في قطاع الطاقة بطريقة لم تكن لتتصورها الحكومات السابقة في برلين، ولحماية أمن الطاقة في أوروبا وتقويته في وجه الضغوط الروسية وضمان دعم متواصل للسيادة الأوكرانية، يجب أن ينجح المسار الألماني الجديد في قطاع الطاقة انطلاقاً من القواعد التي تتبناها الدول على الجناح الشرقي من الناتو.

* بنجامين شميت

CEPA

back to top