حياة جديدة بعد الجائحة

نشر في 21-11-2021
آخر تحديث 21-11-2021 | 00:31
 محمد جاسم الصقر أما وقد عجز العالم عن مواجهة هذا "الفيروس الغادر" وغير المرئي بالعين المجردة، وخضع الكون لجائحة مؤلمة على كل المستويات، فيقيناً هي جائحة العبر وإعادة تجديد الحياة، لكن دعونا نعتبرها صدمة إيجابية بين قرون مضت وحياة مقبلة، لن يكون ما هو قادم فيها كما مضى، فالتغيير سنة كونية لا بد من مواكبتها رضاء أم قضاءً.

إنها اختبار للعقل البشري وريادة السوق وعجرفة التكنولوجيا الحديثة، إنها اختبار للتفكير غير النمطي، وللتضامن الفعلي وللإنسانية أيضاً، اختبار للتعاضد وكشف حقيقة الإنسان تجاه الإنسان، ولكل راع وللرعية.

إنها دافع لإعادة اكتشاف الحياة ودعوة لدراسة المخاطر التي قصرها الإنسان على جانب أحادي... دون أي وزن لمآلات الحياة.

جائحة دافعة للتأمل في فلسفة التملك والفقد، لتحدي الإنسان وصراعه الأزلي مع الغير، وكيف أصبح عدو نفسه بين عشية وضحاها لا يستطيع الاقتراب من أبيه أو أمه أو أخيه أو ابنه خوفا منه وعليه.

جائحة تحثنا وتدفعنا إلى تأمل هذا السيناريو الذي لم يخطر في أحلام البشر أو في الخيال العابر، فعجز عن مواجهتها العالم لأكثر من عام كامل، بكل إمكاناته العلمية وثوراته التكنولوجية التي أذهلت العقول، وغيرت معها الحياة وكل المفاهيم التقليدية. العالم اليوم يولد من جديد، علاقات مختلفة، حياة غير تلك التي ألفها الإنسان على كوكب الأرض لقرون طويلة، نماذج أعمال مبتكرة ستسود وأخرى ستندثر، صراع بين الإنسان البشري والروبوت الأقل كلفة والأكثر ربما إنتاجية، صراع بين قيم سادت ثم بادت.

يقف العقل البشري اليوم أمام تحد مختلف عجز أمامه لبعض الوقت لكنه تمكن من التعايش وإيجاد الحلول عن طريقة حزمة من الإجراءات وإيجاد اللقاحات، فهو القوة الكامنة التي تمكننا من العبور من الظلام إلى النور، إلى كل ما هو مشرق وجميل.

نعم نستطيع أن نغير ونؤثر في هذا الكون وهذا التأثير قد يكون سلبا أو إيجابا، وهو ما يتوقف على طبيعة التفكير، نفكر بطريقة إيجابية فنحصل على نتائج إيجابية، أو نفكر بطريقة سلبية فنحصل على أنصاف نتائج. في هذا المأزق نحتاج إلى عامل الرغبة الذي يرفع من معدلات التحفيز وشحذ الفكر بالقوة، وقوة إرادة تمكننا من التغلب على الخوف والضعف، مدفوعة بالقابلية نحو تخطي التحديات وإنجاز ما نصبو إليه.

لا سبيل للعبور من هذا النفق المظلم إلى النور إلا بالعزيمة والمثابرة والإبداع وإعادة ترتيب الأولويات ومواجهة سلبيات وأمراض العصر الحديث التي انتشرت وتمددت وباتت تصيبنا بلا استئذان، والعمل على إعادة الاهتمام بالاستثمار في الثروة البشرية، ذخيرة المستقبل للأوطان، ولنتحصن بسلاح العلم الذي سيسمح لنا باستكمال خط السير في الحياة حتى النهاية بنجاح.

وهيا بنا لننهض من جديد مستلهمين من اخفاقات الماضي ونجاحات الحاضر، وكما يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس أحد أبرز المؤثرين في تاريخ الصين القديم إن أعظم مفخرة لنا في الحياة ليست في عدم الإخفاق بل في النهوض بعد كل مرة نسقط فيها.

كان السؤال الأكثر إلحاحاً وجدلاً على صناع القرار، كيف تتم المواءمة بين الثبات على مستويات من سبل العيش وبين الحفاظ على أرواح المواطنين؟ وأيهما أكثر أهمية، أرواح البشر أم إنقاذ الاقتصاد؟

وهل يستلزم بقاء الناس وحجرهم في بيوتهم ووقف دورة الحياة والعمل لمواجهة انتشار الوباء مهما كانت الخسائر المالية؟ أم يجب استئناف بعض الأعمال أو كلها لتجنب خسائر اقتصادية فادحة؟

هذا التحدي الذي واجه العالم كان يرى أن العلاج لا بد ألا يكون أسوأ من المرض، وإن كانت حياة الإنسان تتقدم على الاقتصاد كما يراها عدد من المحللين والخبراء في علوم المستقبل.

لقد خاضت المجتمعات البشرية، واحدة تلوى الأخرى، معارك لمكافحة انتشار الوباء وسارت على خطين متوازيين الأول فرض تدابير وقائية لإجبار الناس على التباعد الاجتماعي والوقاية الصحية، والثاني ضخ أموال لتحقيق استقرار الأسواق.

انصبت الجهود على كيفية حماية الدول من الانهيار، فهذا "العدو القاهر" يجتاز الحدود الجغرافية ويهاجم حتى المختبئين خلف الجدران.

لجأت الدول ومنها دولة الكويت إلى وضع خطط طوارئ صحية وحفزت الاقتصاد المنهك لمواجهة تداعيات الجائحة، وتوجهت الحكومات لتبنى إجراءات وسياسات طارئة.

اتخذت العديد من بلدان العالم تدابير صارمة للغاية، بعد أن عصفت آثار الوباء السلبية وتكاليفه الباهظة بمعظم قطاعات الأعمال واقتصاديات الدول.

حقا.. إن العالم اليوم يولد من جديد

back to top