أميركا يجب أن تكون نزيهة

نشر في 07-10-2021
آخر تحديث 07-10-2021 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت وافق شهر سبتمبر الماضي حلول عام جديد في التقويم اليهودي، للمدارس في مختلف أنحاء المعمورة، وعالم الدبلوماسية مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث تُـستَـقـبَـل الأعوام الجديدة، كما ينبغي لها، بقرارات جديدة، والتي تنطوي عادة على تجديد التزام المرء بأهداف محددة، ولكن في حين أن الأفراد هم عادة من ينخرطون في هذه الممارسة، فإن المنظمات أو حتى الدول القومية من الممكن أن تفعل الشيء ذاته.

الواقع أن فكرة قرار العام الجديد هي إحدى الطرق لفهم خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الحادي والعشرين من سبتمبر. قال بايدن إن الولايات المتحدة "تفتتح حقبة جديدة من الدبلوماسية الدؤوبة؛ واستخدام قوة مساعدات التنمية للاستثمار في طرق جديدة للنهوض بأحوال الناس في مختلف أنحاء العالم؛ وتجديد الديموقراطية والدفاع عنها"، وقد رسخ هذه الأهداف في القيم "المختومة في الحمض النووي" للولايات المتحدة والأمم المتحدة: "الحرية، والمساواة، والفرصة، والإيمان بالحقوق العالمية لكل الناس"، كما استحضر احترام كرامة الإنسان، والإمكانات الفردية، و"الإنسانية المتأصلة التي توحدنا جميعا".

عَـرَضَ خطاب بايدن مجموعة واسعة من القرارات لتجديد القيادة الأميركية في العالم في ما يتصل بقضايا تشمل الصحة، وتغير المناخ، ومنع الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، ومنع الصراعات، والبنية الأساسية في البلدان النامية، والأمن الغذائي، والمساواة، ومكافحة الفساد، وقد أوضح أن ملاحقة هذه الأهداف ستكون في إطار من العالمية والتعددية.

لكن شيئا ما غاب عن هذا الخطاب، ولكي تأخذ هذه القرارات مجراها، يجب ألا تكون مرتكزة على رؤى المستقبل فقط بل أيضا على الصدق والنزاهة بشأن الماضي، فكان بايدن واضحا في تناوله للعديد من أكبر المشكلات التي تواجه العالم، وأعلن بعزم ثابت أن الولايات المتحدة، إلى جانب حلفائها، ستؤدي دورا رائدا في التصدي لهذه المشكلات، لكن كان ينبغي له أن يشير إلى انصراف حقيقي عن ممارسات الماضي من خلال التعبير عن قدر أعظم من الاستعداد للتعلم من إخفاقات أميركا الأخيرة.

على سبيل المثال، في الترويج لمساهمة الولايات المتحدة بمبلغ 15 مليار دولار في الاستجابة العالمية للجائحة فضلا عن 160 مليون جرعة من اللقاح، التي أسميت "جرعات الأمل"، للآخرين في مختلف أنحاء العالم، كان بوسع بايدن أن يعترف بأن أكثر من 4.7 ملايين وفاة مسجلة بمرض فيروس كورونا (كوفيد19) كانت في الولايات المتحدة، الواقع أن حصة أميركا الكبيرة بشكل غير متناسب تعكس عجزها عن محاربة فيروس كورونا طوال القسم الأعظم من عام 2020، وحتى يومنا هذا، تستمر الانقسامات السياسية الصارخة في ضمان بقاء جيوب المرض في البلاد أرضا خصبة لظهور متحورات جديدة من الفيروس.

علاوة على ذلك، عندما تحدث بايدن عن التزام إدارته الصادق الذي يستحق الإعجاب بالتعامل مع تغير المناخ، كان بإمكانه أن يعترف بأن الولايات المتحدة تتحمل نصيبا كبيرا بدرجة غير متناسبة من المسؤولية عن المشكلة، فقد كانت أميركا مصدرا رئيسا للانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي لأكثر من قرن من الزمن، وتسبب نظامها السياسي المعيب في منعها من الالتزام بالاتفاقيات الدولية لمدة تزيد عن أربع سنوات في كل مرة.

عندما أثار بايدن قضية "الحروب الأميركية الأبدية"، كان بوسعه أن يعترف بأن هذه الحروب قتلت من المدنيين في العراق وأفغانستان أعدادا أكبر كثيرا من كل من قتلتهم من الجنود، حتى عندما كانت الولايات المتحدة تغادر أفغانستان، قتل مشغلو الطائرات الأميركية المسيرة بدون طيار عن طريق الخطأ أحد عمال الإغاثة وسبعة أطفال.

عندما وصف بايدن الفساد بأنه "تهديد للأمن القومي" وأنه "يغذي فجوات التفاوت بين الناس، ويختلس موارد الدولة، وينتشر عبر الحدود، ويعمل على توليد المعاناة الإنسانية"، ربما كان ليضيف أن مليارات الدولارات التي ضختها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق عملت عمل الوقود للفساد ذاته الذي يدينه، وكان بوسعه أن يعترف بأن حكومة الولايات المتحدة كانت تعلم في وقت مبكر (ربما منذ عام 2011) مدى الفساد الذي أصبحت عليه الحكومة الأفغانية، لكنها قررت عدم فضح أو محاكمة الفاسدين.

السبب وراء ضرورة تحري الصدق بشأن هذه القضايا ليس الانغماس في تعديد عيوب أميركا وإخفاقاتها، بل هو إدراك مدى تعقيد المشكلات التي تواجه أميركا، وضلوعها كسبب وراء تفاقمها، فمن خلال توضيح أن الولايات المتحدة تدرك مدى صعوبة إحراز أي تقدم، وأن الكثير سيعتمد على قدرتها على تغيير سلوكها، يستطيع بايدن أن يشير إلى نية صادقة في تجاوز الخطابة إلى العمل الحقيقي.

بعد مقتل جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس في مايو 2020، أصدرت العديد من الشركات والمؤسسات الأميركية بيانات تدين العنصرية الجهازية، وكأنها مشكلة شاذة غير معتادة وليست متأصلة في المجتمع، لكن كما سارع العديد من الملونين إلى الإشارة، فإن معالجة المشكلة تتطلب أن يعترف القادة بالعنصرية ويتصدون لها داخل منظماتهم، وينطبق المنطق ذاته على الدول القومية التي توجه أنظارها صوب مشاكل عالمية.

سبب آخر يجب أن يدفعنا إلى تحري الصدق والنزاهة هو أن نقود من خلال "قوة مثالنا"، كما قال بايدن في خطاب تنصيبه، فعلى الرغم من أن خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يذكر الصين قَـط وتنصل صراحة من أي نية للسعي إلى حرب باردة جديدة، فإنه رسم خطا واضحا بين الديمقراطيات (غير الكاملة باعتراف الجميع) التي تسعى إلى إعلاء قيم الأمم المتحدة والدول الاستبدادية التي تنتهكها متى شاءت.

هذا الخط لا يفصل بين البلدان العامرة بأناس صالحين والبلدان المليئة بأشخاص طالحين، أو بين الحكومات الصالحة والطالحة (فالعديد من الديموقراطيات تقودها حكومات رديئة، بما في ذلك في المدن والولايات وأجزاء من الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة)، وبدلا من ذلك، يجب أن يكون التمييز بين البلدان المخلصة في حماية الحقوق الفردية وتلك التي تتقاعس عن حمايتها.

الصين على سبيل المثال، وكما ينص دستورها بوضوح، ملتزمة صراحة بالنظام الاشتراكي، الذي يضع السلطة والملكية في يد جموع الشعب، ومع ذلك، في الممارسة العملية، يكمن الفارق الرئيس بين الدول الحرة والدول غير الحرة في قدرة الناس على محاسبة حكوماتهم، وبالتالي تضييق الفجوة بين ما تقوله الحكومة وما تفعله.

يجب أن يكون أي عام جديد مناسبة لتقييم تلك الفجوة بكل نزاهة وصدق، واستخدام هذا التقييم لتوجيه التزام متجدد بالمثل العليا المعلنة، وإذا فعل قادتنا هذا فستبدو الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة مختلفة تماما.

* مديرة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية سابقا، وحاليا المدير التنفيذي لمركز أبحاث «نيو أميركا»، وأستاذة السياسة والشؤون الدولية الفخرية في جامعة برينستون، ومؤلفة كتاب «التجديد: من الأزمة إلى التحول في حياتنا، وفي العمل، والسياسة».

* آن ماري سلوتر

Project Syndicate

back to top