هل يتمكن صندوق الأجيال من تغطية أزمات الميزانية العامة؟

مليارات الدنانير من الفوائض استُنزفت في سنوات العجز

نشر في 19-09-2021
آخر تحديث 19-09-2021 | 00:02
No Image Caption
في أيام الرخاء الاقتصادي، وتحديداً في سنة 2012 تم إقرار زيادة نسبة الاستقطاع حتى 25%، وبدأت من ميزانية 2012/2013، وتم العمل بها على ثلاث ميزانيات متتالية.
يقول ميريك تشاپمان "إن لحظة تلاشي النقود هي اللحظة التي تحدد بداية الأزمة"، والكويت في بداية الأزمة منذ تلاشي السيولة من الاحتياطي العام، بسبب تراكم عجوزات الحسابات الختامية من سنة 2014/2015 حتى اليوم، ومن الواضح أننا قريباً سنصبح في وسط الأزمة فعلياً، بسبب عجز الحكومة عن تطبيق إصلاحات اقتصادية، بعد أن قامت الحكومة باستنزاف كل ما تم ادخاره من فوائض مالية في الميزانية خلال 15 سنة، من 2000 إلى 2014، وقد قلصت الخيارات الإصلاحية؛ فإما الدين العام وإما السحب من صندوق الأجيال القادم، وهي تقوم اليوم بإعلان خطة تهدف لتدبير السيولة اللازمة لتغطية عجز الميزانية العامة.

وبلغ إجمالي العجوزات في الميزانيات بعد إقفال الميزانية 40.273.54 مليار دينار، خلال الفترة (2014/2015 – 2020/2021)، ومقارنة بالفوائض المتراكمة على مدى 15 سنة أي (2000/2001 – 2013/2014) التي بلغت 46.481.73 ملياراً، يتبين لنا عدم حصافة الحكومة في هدر الفوائض على المصروفات الجارية، والتي تشمل في معظمها الرواتب والدعوم.

إن مبلغاً مليارياً كهذا كان من الأجدر استغلاله بالاستثمارات الرأسمالية، التي لها عوائد مضمونة، واستغلاله في إنشاء مصانع داخلية للاكتفاء الذاتي ولإمكانية مساهمته في تقليل المصروفات، فوائض بدون خطة جادة وواضحة لاستثمارها واستغلالها بتنويع مصادر الدخل تؤدي إلى استمرارية العجوزات، وبما أن الكويت دولة نفطية وتعتمد اعتماداً كلياً على النفط فمن المنطقي والطبيعي أن تواجه زيادة في المصروفات على الايرادات، مع كل انخفاض في أسعار النفط.

تقشف الحكومة

البنية التحتية للاقتصاد الكويتي غير مستدامة، وخطة الحكومة للتقشف في المصروفات المالية العامة يجب ألا تكون ضد الشعب الكويتي، ويجب العمل على تطبيقها، فالحلول واضحة ولا تحتاج إلا إلى إرادة حقيقية للتغيير والإصلاح، فأولى مراحل الإصلاح هي وقف الهدر في الميزانية، ووقف الهدر يأتي أولا بمحاسبة الفاسدين القائمين على مشاريع البنية التحتية والمشاريع الكبرى، فمشاريع مثل الطرق يجب ألا يتم الإسراف في الصرف عليها في كل سنة، بسبب المشاكل الناتجة عن فساد القائمين عليها، والسيطرة على المصروفات، لأنها أساس العجز وإعادة رسم سياسة الدعومات، ثم إيجاد مصادر مستدامة ومتنوعة لإيرادات الميزانية، بدلاً من الاعتماد على الإيرادات النفطية.

إن دغدغة مشاعر المواطنين بتدبير 800 مليون دينار لتغطية رواتب شهر يوليو الماضي، ومحاولة خلق حلول مؤقتة كالسحب من صندوق الأجيال القادمة، ووضع آلية تمكن الكويت من سحب مبالغ معينة من الصندوق في كل عجز، حتى وإن كان سيؤثر على الأجيال القادمة، تشكل خطراً قادماً على اقتصاد وأمن الكويت.

سحب 25%

في أيام الرخاء الاقتصادي، وتحديداً في سنة 2012 تم إقرار زيادة نسبة الاستقطاع حتى 25%، وبدأت من ميزانية 2012/2013، وتم العمل بها على ثلاث ميزانيات متتالية، وقد بلغ الاستقطاع مبلغاً قدره 22.186.43 مليار دينار، كانت إضافة جيدة لتلك السنوات.

وفي تحليل للجدول الموضح فإن إجمالي الفوائض قبل استقطاع نسبة 10% لصندوق الأجيال القادمة بلغ 86.188.9 مليار دينار خلال الفترة (2000/2001 - 2014/2015)، وإجمالي الفوائض بعد الاستقطاع بلغ 46.481.73 ملياراً الفترة (2000/2001 – 2013/2014)، بينما بلغ إجمالي العجوزات قبل الاستقطاع 28.449.2 ملياراً خلال الفترة (2015/2016 – 2020/2021)، وبلغ إجمالي العجوزات في الميزانية بعد استقطاع 10% و25% لصندوق الأجيال القادمة 47.348.79 مليار دينار خلال الفترة (2013/2014 – 2020/2021).

ومن خلال نظرة سريعة على الجدول، يتبين لنا أن العجز بدأ بعد الاستقطاع في ميزانية 2014/ 2015، وكانت هذه آخر سنة لاستقطاع نسبة 25 بالمئة من الإيرادات لصندوق الأجيال، فبعد تحقيق فوائض من ارتفاع أسعار النفط، حيث بلغ نحو 100 دولار للبرميل، بدأ العد التنازلي للسيولة.

وعلى الرغم من إلغاء نسبة الاستقطاع (25 بالمئة)، فإنه تم استنزاف ميزانية الكويت حتى أصبح العجز في الميزانية شيئا متوقعا في كل سنة، صحيح أن أسعار النفط بدأت بالانخفاض في عام 2015، وقد رجح كثير من الاقتصاديين أسباب العجز لانخفاض أسعار النفط، وصحيح أن الكويت تعتمد اعتمادا كليا على النفط، حيث يشكل أكثر من 90 بالمئة من الاقتصاد الوطني، إلا أننا لا يمكننا إلقاء اللوم فقط على أسعار النفط، فالحكومة هي المدانة الأولى في العجوزات الحاصلة والمتأصلة في الميزانية.

من يتحمّل المسؤولية؟

اليوم نجني ما زرعته الإدارة الحكومية، فعلى مدى سنوات والحكومة تهمل الجانب الاقتصادي للبلد وتعبث بالمصروفات، فاعتبار الكويت دولة نفطية لا يعني الاستهتار في المصروفات، وما يحدث في فنزويلا مثال حي، فهي تصنف من أكبر الدول المصدرة للنفط عالميا، وتملك أكبر احتياطي، ومع ذلك الشعب يذهب إلى كولومبيا لشراء المواد الغذائية.

وكان لتصريح وزير المالية أثر سلبي على الكويت وتصنيفها الائتماني، فعندما صرح بعجز الحكومة عن دفع رواتب شهر نوفمبر أخذت وكالات التصنيف العالمية هذا التصريح على محمل الجد، وبدأت لأول مرة بتخفيض تصنيف الكويت السيادي. انخفاض التصنيف يعني صعوبة الاقتراض، فكلما انخفض التصنيف زادت الفائدة على الدين العام.

صندوق الأجيال

الصندوق عبارة عن مركب نجاة للمستقبل، للتصدي للأزمات الكارثية، كما حصل في الغزو العراقي الغاشم، وليس للسحب منه في كل عجز يحصل، فلو كان الاقتصاد الكويتي متنوعا ومستداما سيسهل الاستعانة من صندوق الأجيال أثناء العجز لضمان استرجاع ما تم أخذه، لكن الواقع واضح، ويعلمنا أن الحكومة وفي ظل اقتصاد ريعي غير مستدام، لن يتم إرجاع السيولة المستخدمة، وسينتج لنا أزمات كثيرة لا رادع لها.

إن إجمالي النسبة المستقطعة (10 بالمئة) من إيرادات الميزانية العامة لصندوق الأجيال القادمة بلغت 47.348.79 مليار دينار في الفترة (2000/ 2001 – 2020/ 2021)، إضافة إلى استثمارها ويضاف عائد استثمارات النسبة إلى الصندوق نفسه، وبالنسبة لهذه السنة، وبحسب تصريح وزير المالية خليفة حمادة، أن أداء الصندوق الأفضل في تاريخه، حيث حقق نموا بلغ الأفضل في تاريخه وحقق نموا بلغ 33 بالمئة، رغم ذلك تم استرداد نسبة 10 بالمئة من صنـــــدوق الأجـــــيـــــــــــــال القــــــادمـــــــــة لـ 3 سنوات سابقة لتغطية العجز.

إن تم استخدام صندوق الأجيال القادمة سيكون كافيا مدة 10 سنوات، بعدها ستكون الكويت في حالة طوارئ، لذلك ينصح بعض الاقتصاديين بالاتجاه إلى الدين العام، إلا أنه في الحالتين ستكون النتيجة واحدة؛ سواء تم الاقتراض أو استخدام الأجيال القادمة ستقوم الحكومة بالتبذير والصرف، وستكون الكارثة واحدة، لكن من فوائد عدم المساس بصندوق الأجيال سهولة الحصول على القرض، الأصول تحمي الكويت من السماح لها بالاقتراض وتقليل نسبة الفوائد.

أبجديات مفقودة

أبجديات الإصلاح مفقودة، عبـــــث متكــــــرر، فســـــــاد مستـــمــــــــر، لا جدية في محاسبة الفاسدين ولا جدية في عمل خطة إصلاح اقتصادية حقيقية، حلول مطروحة لا تحمل جدية التنفيذ، وكلام مكرر لا فائدة منه، فلا تزال الحكومة تفشل في وضع مشاريع وخطط اقتصدية (جدية)، في المقابل يرفض مجلس الأمة كل مشروع مقدم من الحكومة، ضد مشروع الدين العام وضد مشروع الحكومة بسحب 5 مليارات من صندوق الأجيال القادمة، وكل هذا من دون تقديم خطة إصلاح اقتصادية حقيقية، فشل اقتصادي مشترك لكلا الطرفين، وكلا الطرفين تجاهل وضع خطة إصلاح اقتصادية عملية، الحكومة تطرح مشاريع إنقاذ غير جاد في تنفيذها، والمجلس يرفض لمجرد الرفض، والشعب يحترق بين الحكومة والمجلس.

● حصة المطيري

البنية التحتية للاقتصاد الكويتي غير مستدامة وخطة التقشف الحكومية يجب ألا تكون ضد الشعب
back to top