فيروس كورونا في بيئة انعدام برامج العمل

نشر في 16-07-2021
آخر تحديث 16-07-2021 | 00:07
 ناجي الملا ما معنى أن يكون هناك برنامج عمل حكومي؟ معناه الآتي: تحقيق أعلى درجات الأمن الداخلي والخارجي، تحقيق أعلى دخل قومي ورفاهية للأفراد، تحقيق أفضل تعليم وخدمة صحية وفرص عمل، توفير سكن بأنسب المواصفات وأسرع وقت، إيجاد أنجع الحلول لأي مشكلة كمشكلة خلل التركيبة السكانية وتنامي الفساد وتعاطي المخدرات فضلا عن السيطرة على أي أزمة طارئة أو جائحة بشرط أن يكون برنامج العمل هذا محكوماً بمعايير كمية وزمنية لا أمنيات مصوغة في لغة هلامية بليغة، وأن تضع البرنامج أفضل العقول في المجتمع، والأهم أن يتم إشراك كل فعاليات المجتمع من ذوي الاختصاص والخبرة في نقاش البرنامج ومراجعته حتى نصل إلى أفضل الممكن.

هذا البرنامج سيكون المنارة التي تهتدي بها إرادة الحكم لاختيار الحكومة ويهتدي بها الناخبون في اختيار ممثليهم في البرلمان، وهنا سأسلط الضوء على انعدام برنامج مواجهة وباء كورونا وكيف أفرز العشوائية وضياع المعايير في ضوء ارتفاع معدلات الإصابة بمرض كورونا، وانعدام وضوح الرؤية لدى الرأي العام، فلا نعلم مسارات مستقبل هذه الجائحة، في حين نجد الدول الأخرى وعبر إجراءات وسياسات محددة تصل إلى انخفاضات سريعة في الأعداد وتعلن تخليها عن الحظر، بل حتى لبس الكمامات، وعلى العكس نحن نعيش فوبيا من التحورات الجديدة الفتاكة.

وجود برنامج العمل يفرز ذهنية تخضع لمنهجية ومنطق التخطيط والشفافية، فالوضع يحتم أن نعلم إلى أين نسير في مواجهة الجائحة، وأن تنشر الحكومة للشعب تفاصيل برنامجها ومبررات إجراءاتها والعلاقة السببية بينها وبين الانخفاضات المتوقعة، ففي السعودية عدم لبس الكمام أو لبسه بطريقة لا تغطي الأنف والفم يعرض الإنسان للعقاب، مع وجود جهاز متحفز ورقابة صارمة في كل مكان لتوقيع العقوبة عبر تصوير البطاقة المدنية للشخص المخالف الذي يجب أن يسارع في دفع الغرامة حتى لا تتضاعف، وفي الأردن التطبيق أشد لمخالفي الحظر سواء بالخروج أو التجمعات، فالمخالف يذهب للسجن فوريا ولا يفلت أحد من العقوبة.

وعندنا في المجمعات والجمعيات التعاونية وكل الأماكن العامة يندر أن تجد التزاماً صارما من الأفراد بالتباعد ولبس الكمام بالطريقة الصحيحة أما التجمعات لمختلف المناسبات فحدث ولا حرج، وأذكر أثناء الحظر الشامل بعض الأصدقاء أخبروني أن مناطقهم خارج منطقة تغطية الحظر فالكل في الشوارع والدواوين عامرة. البعض وبغباء يردد أن المناطق التي سكانها من الحضر تلتزم ومناطق القبائل هي التي لا تلتزم!! يومها رددت على هؤلاء بأن السعودية فيها القبائل نفسها أما الأردن فعشائرها أشد تمسكاً بالأعراف القبيلية بأضعاف والأخطر أنها مسلحة، فلماذا تلتزم القبائل في السعودية والأردن بإجراءات الحجر وكل الاشتراطات الصحية؟ لأن الأمر بالدرجة الأولى يرجع لهيبة القانون، كما أن هذه الدول ونظراً للظروف الاقتصادية تحسب الأمور بدقة متناهية.

فلابد من وضع برنامج وخطط طارئة من ذوي الاختصاص ومراجعة كل إجراءات وزارة الصحة، وكل ما يتصل بالأزمة من قرارات وإمكانات وفتح المجال لنقاشها مجتمعياً، وتحقيق أعلى درجات الشفافية، كما لابد من فرض هيبة القانون وتعيين أجهزة رقابية مخولة لتوقيع الضبطية القضائية للمخالفين.

فأخصب بيئة ينمو فيها فيروس كورونا وكل فيروسات الفساد والتخلف هي العشوائية وانعدام برامج العمل، لذا نصَّ الدستور في المادة ٩٨ على وجوب تقديم الحكومة برنامج عملها فور تشكيلها، مما يعني أن برنامج العمل يسبق الحكومة، وأن الحكومة تم اختيارها على أساس برنامج العمل، وللتفصيل راجع مقالنا في الجريدة بتاريخ 12/11/ 2020 تحت عنوان "المادة 98 من الدستور أمّ الفرائض".

ناجي الملا

back to top