طالبة مصابة بالسرطان تسأل عن التعليم

نشر في 15-06-2021
آخر تحديث 15-06-2021 | 00:09
 أ. د. فيصل الشريفي أروي لكم هذه القصة لإحدى طالباتي وهي مصابة بمرض السرطان وفي مرحلة متقدمة منه، كانت تحرص على أخذ جرعات الكيماوي في نهاية دوام يوم الخميس وذلك لحضور جدولها الدراسي دون أن تختلق الأعذار للغياب أو حتى التأخر عن موعد المحاضرة، رغم أن حالتها الصحية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

اللوائح المعمول بها في الكليات التابعة للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب تسمح للطالب الذي يعاني مشاكل صحية التقدم بطلب لعمادة القبول التي تقوم بدورها بدراسة كل حالة على حدة، وفي العادة تصدر موافقتها على الطلب، إلا أن هذه الطالبة لم تتقدم بهذا الطلب رغم دخولها للمستشفى لأكثر من مرة ورغم معاناتها أثناء فترة تلقيها للكيماوي.

لا أعرف ماذا حل بطالبتي العزيزة التي أسأل الله أن يمنَّ عليها بالشفاء، فهي ما زالت حاضرة في وجداني دائما وأبداً ما حييت، لإيمانها بقضاء الله ولعزيمتها وإصرارها على تلقي العلم، والتشبث في فسحة الحياة والأمل، رغم قناعتها بأن شفاءها من المرض بحسب تقديرات الأطباء ميئوس منه.

طالبتي لم تكن مميزة، ولكنها كانت مجتهدة وحريصة ومثابرة، لذلك استطاعت أن تفرض احترامها على كل من عرفها وأن تكون قدوة، وعنواناً للعطاء، والإخلاص، والصبر.

أكتب هذا المقال وأنا أتحسر على ما وصل إليه حال التعليم في وطني من تراجع جعله يفقد قيمته ودوره في البناء والتنمية بسبب السياسات والمنهجية المتخبطة التي تقوم عليها إدارة هذا الملف الحيوي.

أتحسر وأنا أرى أبناءنا بلا هدف سوى الحصول على الشهادة بأي وسيلة كانت، أتحسر وأنا أرى المعلم يتنازل عن قيمه الاجتماعية من أجل الدروس الخصوصية، أتحسر وأنا أرى مناهجنا بهذا الضعف، أتحسر وأنا أرى من يضع سياسات التعليم أقرب منه للجاهل، أتحسر وأنا أرى هذا الكم من أصحاب الشهادات العليا بلا قيمة مضافة، أتحسر وأنا أرى خريجاً يتوظف في مجال خارج تخصصه، أتحسر وأنا أرى جامعة الكويت في ذيل قائمة التصنيف العالمي، أتحسر وأنا أرى هذا الكم المهول من الجامعات التجارية، أتحسر وأنا أرى خريجاً لا يجيد شيئاً مما تعلمه من مهارات ومعلومات، أتحسر وأنا أرى هذا الكم من الاعتراض على الاختبارات الورقية من بعض أولياء الأمور والنواب، أتحسر وأنا أرى هذا الطغيان السياسي في إدارة المؤسسات التربوية والأكاديمية.

ليس من عادتي التشاؤم لكن الوضع الذي صار إليه التعليم أوصلني إلى حالة من الإحباط وقناعة قد يشاركني الكثير فيها بأن التعليم سيستمر بالموت السريري ما لم يكن هناك تحرك من أعلى، وعلى كل المستويات لإنقاذ التعليم وانتشاله من هذه الحالة بعقد جلسات حوارية مع أصحاب الاختصاص وأهل الميدان والكفاءات للخروج بخريطة طريق ملزمة لا تتغير بتغير القيادات ولا تخضع لمزاجهم.

النهوض بالتعليم مفتاحه التمكين باختيار الرجل المناسب للمكان المناسب والبعد كل البعد عن منظومة المجاملات الاجتماعية، والترضيات السياسية.

النهوض بالتعليم يحتاج إلى مراجعة للوائح التعيينات والترقيات وآليات دعم الأبحاث العلمية والتوسع في برامج الدراسات العليا والاستعانة بالباحثين المميزين في العالم وإلى تبني سياسات تتماشى مع متطلبات الجودة، أسوة بما تقوم به مؤسسات التعليم التي تتصدر قوائم التصنيف العالمي.

ودمتم سالمين.

back to top