زيارة البابا للعراق تاريخية

نشر في 07-03-2021
آخر تحديث 07-03-2021 | 00:00
 د. إليزابيث منير لقد وصل البابا فرنسيس إلى بغداد في 5 مارس في زيارة تاريخية، ونظرا للشواغل الأمنية والوباء العالمي، كانت هناك تساؤلات حول ما إذا كانت الزيارة ستمضي قدما، وحقيقة إصراره على الذهاب إلى العراق تدل على الأهمية الكبيرة لهذه البادرة.

وقد بعث الرئيس العراقى بالدعوة الرسمية الى الفاتيكان وهو الذي التقى البابا من الطائرة ثم استضافه فى القصر الرئاسي، وزيارة البابا مهمة رمزياً للأمة العراقية كما بالنسبة إلى المسيحيين، لأنها تتيح الفرصة لعرض الوضع في العراق على الساحة العالمية من خلال عدسة أخرى غير عدسة العنف والصراع.

فلا ينبغي اعتبار هذه الجولة البابوية مجرد زيارة دينية بل حدثاً مهماً للعراق بأسره، والنقطة الرئيسة التي تمثلها الزيارة هي أن إعادة التأهيل الوطني للعراق أمر بالغ الأهمية لأمن المسيحيين والعكس صحيح.

وتأمل الحكومة العراقية أن تولد هذه الجولة البابوية تأثيراً مماثلاً لتلك التي شهدتها زيارة البابا لأبوظبي في عام 2019، وقد سلط هذا الانتصار الدبلوماسي الضوء على وجود المسيحيين في منطقة الخليج العربي بكل تنوع طوائفهم وخلفياتهم، كما بدأت حواراً حول مكافحة التطرف، وأظهرت الطرق التي يمكن للمجتمعات الدينية أن تعمل بها معاً.

والواقع أن المسيحيين في العراق قد شاركوا بعمق في مبادرات الحوار بين الأديان أيضاً، وسيسلط البابا الضوء على دور المصالحة هذا، من خلال زيارته مع آية الله العظمى علي السيستاني في مدينة النجف الأشرف ذات الأهمية الرمزية، ورسالة هذه الزيارة هي أن المسيحيين ليسوا مجرد أقلية دينية بل هم أيضاً عنصر قيِّم في الدولة العراقية، ووجودهم الدائم في العراق هو جزء من الحل لا سبب في تفكيك المجتمع العراقي.

يزور البابا خلال جولته الموقع الأثري المهم في أور الكلدانيين، بمحافظة ذي قار جنوب البلاد وهو موطن الديانات الإبراهيمية الثلاثة، فالمسيحيون لديهم جذور عميقة وعتيقة في بلاد ما بين النهرين، فضلاً عن مساهمتهم المحورية في تأسيس دولة العراق الحديثة، لذلك يكرر القادة المسيحيون في العراق مراراً أن مسيحيي العراق جزء لا يتجزأ من التراث الوطني العراقي، وقد ردد ذلك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الشهر الماضي في اجتماع مع مجلس الطوائف المسيحية عندما قال إن "العراق ليس العراق بدون مسيحيين"، ومع أن هذه زيارة دولة، إلا أنها بالطبع مهمة بشكل خاص بالنسبة للطائفة المسيحية في العراق.

في غضون السبع عشرة سنة السابقة انكمشت نسبة المسيحيين من مليون ونصف نسمة لأقل من 250 ألفاً بسبب العنف وغياب الاستقرار بعد الحرب في عام 2003، وبالتالي أدى تناقص وجود المسيحيين بالتبعية لانخفاض تأثيرهم علي مشاركتهم في المحافل الوطنية، وهذا الانخفاض الكبير في الوجود المسيحي في العراق قاد البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو زعيم الكنيسة الكلدانية وهي أكبر طائفة في العراق إلى دعوة المسيحيين مراراً وتكراراً للبقاء في العراق، وبالنسبة له، فإن الأمل المركزي هو أن "زيارة البابا للعراق رسالة للتمسّك بالأرض"، وربما كان الأمل أن تؤدي زيارة البابا إلى تشجيع المسيحيين الذين غادروا بالفعل على العودة، بعيد المنال، ومع ذلك قد يعزز ذلك الدعوات إلى الحكومة العراقية لأخذ مخاوف المسيحيين الذين لا يزالون في العراق على محمل الجد.

كانت هناك أصوات بين المجتمع المسيحي خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي ساخرة من تأثير الزيارة البابوية، ورد ساكو على المسيحيين الذين لا يرون كيف يمكن لزيارة البابا أن تساعدهم هو التأكيد على أنه لا ينبغي أن يتوقع من البابا حل مشاكل المسيحيين العراقيين، فالدولة بالنسبة إليه هي المسؤولة عن المسيحيين في العراق.

هذه الزيارة سترفع معنويات المسيحيين في العراق، لكن الدولة العراقية هي المؤسسة الوحيدة التي يمكنها في نهاية المطاف تحسين وضع وأمن المسيحيين، وغيرهم من الطوائف المهمشة في العراق، على المدى المتوسط والطويل.

* أستاذة في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة كامبريدج، المملكة المتحدة، ومتخصصة في السياسة والتاريخ العربي المعاصر والمسيحيين الشرقيين.

د. اليزابيث منير

back to top