الاتفاق مع إيران ليس كافياً لتجديد استقرار الشرق الأوسط

نشر في 05-03-2021
آخر تحديث 05-03-2021 | 00:02
بعد توقيع الاتفاق النووي المبرم في عام 2015
بعد توقيع الاتفاق النووي المبرم في عام 2015
لمعالجة السلوك الإقليمي الإيراني المضطرب، أوصى الخبراء باستهداف كل صراع إقليمي بشكلٍ منفصل عبر إطلاق نقاشات متعددة الأطراف بين الجهات المعنية، حيث يستطيع المشاركون أن يتطرقوا جماعياً إلى مختلف المخاوف المطروحة، مثل الميليشيات والصواريخ والانتشار النووي، ضمن مسارات متوازية.
ورثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مجموعة مألوفة من الملفات المرتبطة بإيران: يملك هذا البلد برنامجاً نووياً متقدماً وترسانة من الصواريخ البالستية، ويتبنى سياسة إقليمية مبنية على دعم مجموعة من عملائه، سيكون البرنامج النووي من أكثر المسائل إلحاحاً بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، فمنذ مايو 2018، حين انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وبدأ يزيد الضغوط على طهران عن طريق العقوبات، سرّعت الحكومة الإيرانية نشاطاتها النووية وخفّضت المدة التي تسمح لها بالانتقال إلى مرحلة إنتاج سلاح نووي من سنة واحدة إلى بضعة أشهر.

لقد أوضح بايدن أنه ينوي إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي والالتزام ببنوده طالما تقوم إيران بالمثل، وأعلنت إيران من جهتها استعدادها للعودة إلى التزاماتها شرط أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عنها، لكن هذه العملية لن تكون بسيطة بقدر ما توحي به هذه المواقف، ولضمان استمرارية الاتفاق النووي، لا بد من تحصينه ضد أي انتكاسات سياسية مستقبلية، ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن يعالج الموقّعون نقاط ضعف الاتفاق الذي يشمل مدة الجداول الزمنية وأحكاماً مرتبطة بتجديد العقوبات، بالإضافة إلى مشاكل من خارج نطاق الاتفاق الراهن، مثل برنامج إيران الصاروخي والنشاطات الإقليمية التي تزعزع استقرار المنطقة، ومن دون وضع خطة خاصة باللعبة الإقليمية، ستواجه أجندة إدارة بايدن في ملف إيران والشرق الأوسط عموماً معارضة الخصوم الحزبيين في واشنطن والدول الشريكة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

يخشى منتقدو الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، داخل الولايات المتحدة وفي إسرائيل والخليج، أن تتخلى إدارة بايدن عن نفوذها إذا قررت العودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات سريعاً، فقد دعت هذه الأصوات البيت الأبيض إلى المشاركة في مفاوضات جديدة حيث توافق على تخفيف العقوبات شرط أن يقدّم الطرف الآخر التنازلات المطلوبة في المسائل العالقة، لكن طهران استبعدت هذه المقاربة بشكلٍ قاطع، وأعلنت أنها لن تشارك في أي محادثات واسعة إلا بعد عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الأصلي.

تنظر الدول المجاورة لإيران إلى هذا الاحتمال بعين الريبة والذعر، وتريد هذه الجهات أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة قادرة على وقف تصعيد التوتر الإقليمي ومنع طهران من تأجيج الأزمات في جوارها، فلم تُحقق حملة "الضغوط القصوى" التي أطلقها ترامب هذه الأهداف، بل شمل الرد الإيراني المبني على مبدأ "المقاومة القصوى" احتجاز الصهاريج واستهداف المنشآت النفطية السعودية بكل وقاحة، لكن هذه الدول تخشى أن تؤدي العودة إلى الاتفاق النووي السابق، من دون فرض قيود إضافية، إلى تقوية نشاطات إيران إقليمياً، وتشعر هذه الدول نفسها بقلق متزايد من حجم الالتزامات الأميركية في المنطقة غداة الدعوات الأميركية إلى تقاسم الأعباء وإنهاء "الحروب اللامتناهية"، فضلاً عن التناقضات السياسية التي تثبت تغيّر الأولويات الأميركية.

ما أفضل مقاربة أميركية لمعالجة الاضطرابات الإقليمية المرتبطة بإيران؟ حاول المحللون في معهد "تشاتام هاوس" الإجابة عن هذا السؤال عبر إجراء مقابلات مع 210 خبراء ومسؤولين من صانعي السياسة الحاليين والسابقين في 15 بلداً، وشملت هذه البلدان دولاً كانت جزءاً من الاتفاق النووي الإيراني، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، بالإضافة إلى دول معنية بالأزمات المحتدمة في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل، وإيران، وفلسطين، وسورية، ولبنان، واليمن، والعراق، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.

مسارات متوازية

بين يوليو نوفمبر 2020، أجرينا استطلاعات مع الخبراء المشاركين في المقابلات حول أفضل طريقة للسيطرة على صراعات الشرق الأوسط وحلّها، فسألناهم عن المصاعب والاضطرابات الجيوسياسية القائمة في المنطقة وطريقة تأثير الانتخابات الرئاسية الأميركية على البيئة الأمنية هناك، ثم حللنا وجهات نظرهم حول جذور الاضطرابات الإقليمية وحاولنا الحصول على توصيات لمعالجتها، تزامناً مع التركيز على دور إيران في سورية، والعراق، ولبنان، وفلسطين واليمن.

لا يتوقع الخبراء وصانعو السياسة أن تُعالَج المشاكل الإقليمية بطريقة شاملة من خلال عقد حوار مباشر واحد مع إيران، ولا ينتظر معظمهم أن تتخلى طهران عن دعمها لعملائها الإقليميين أو تَحِدّ من نطاق برنامجها الصاروخي البالستي، كذلك، يشعر معظمهم بأن عزل إيران سيترافق مع نتائج عكسية مقارنةً بإعطاء طابع إقليمي للحلول التي تستهدف المشاكل المشتركة، ولمعالجة السلوك الإقليمي الإيراني المضطرب، أوصى الخبراء باستهداف كل صراع إقليمي بشكلٍ منفصل عبر إطلاق نقاشات متعددة الأطراف بين الجهات المعنية، حيث يستطيع المشاركون أن يتطرقوا جماعياً إلى مختلف المخاوف المطروحة، مثل الميليشيات والصواريخ والانتشار النووي، ضمن مسارات متوازية.

سألنا المشاركين في الاستطلاع عن أول خطوة ضرورية لترسيخ الاستقرار في المنطقة، فأيّد 45% منهم العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني المبرم في عام 2015، وبحسب رأيهم، تسمح هذه الخطوة بتجديد التعاون العابر للأطلسي، ووقف البرنامج النووي الإيراني، وبناء الثقة بين طهران وواشنطن، كذلك تؤدي إعادة إحياء الاتفاق إلى تراجع الاضطرابات في دولٍ أصبحت عالقة بين الضغوط القصوى الأميركية والمقاومة القصوى الإيرانية، مثل العراق.

لكن شدّد معظم الخبراء على ضرورة أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وهي تحمل خطة عمل واضحة لمعالجة عيوبه، وأكّد المشاركون تحديداً على أهمية وضع مخطط واضح لحل الصراع الإقليمي بعد العودة إلى الاتفاق، وذكروا أن إيران وسّعت بصمتها في العراق واليمن ولبنان وسورية فور انضمامها إلى الاتفاق النووي في عام 2015، ولهذا السبب يجب أن تعود إدارة بايدن إلى الاتفاق وهي تحمل خطة واضحة حول العمليات الإقليمية المتوازية ومتعددة الأطراف التي يُفترض أن تحصل سريعاً في المرحلة اللاحقة، ومن خلال إعطاء طابع متواصل لهذه العملية قدر الإمكان، تستطيع الإدارة الأميركية أن تُخمِد مخاوف الخصوم في الكونغرس والجهات الإقليمية، طالما تحرص إدارة بايدن على التشاور مع الشركاء الإقليميين والتنسيق معهم بشأن خططها المرتقبة.

من خلال إنشاء تلك المسارات المتوازية لحل الصراعات القائمة، يظن الخبراء أن إدارة بايدن تستطيع إثبات قدرتها على رسم مسارها الخاص بدل تكرار التاريخ بكل بساطة. قد تُصِرّ على ضرورة أن تلتزم جميع الأطراف بمتابعة التطورات كجزءٍ من مرحلة التفاوض وتنفيذ الاتفاق النووي، كذلك، قد تتشجع إيران على المشاركة إذا تلقّت وعداً بتخفيف العقوبات أو زيادة الاستثمارات، إذ سيكون ضمان التزام طهران بهذه البنود عاملاً أساسياً لتهدئة مخاوف اللاعبين الإقليميين.

برأي أكثر من 50% من الخبراء المشاركين في المقابلات، يجب أن ينجح أول المسارات المتوازية في جمع مختلف الأطراف المعنية بالحرب في اليمن، بما في ذلك إيران، ويُفترض أن يدعم مسار آخر نشوء حوار بين دول الخليج لبناء الثقة والتعاون وتقوية الآليات التي تسمح بحل الخلافات، ولكبح النفوذ الإيراني، تقضي خطوة أساسية بإعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ومعالجة الصراع في سورية، فقد تُركّز مسارات أخرى على تدابير بناء الثقة في أنحاء المنطقة في مجالات مثل الدبلوماسية الصحية، والسياحة الدينية، والتبادلات بين الشعوب، والتجارة، والبيئة.

قوة لإرساء الاستقرار؟

أراد الخبراء أن تصبح مشاكل المنطقة جزءاً من عملية إقليمية شاملة، لكنهم شددوا أيضاً على الدور الأميركي المحوري في تجديد استقرار المنطقة، فعبّر المشاركون، لا سيما الخبراء القادمين من الشرق الأوسط، عن قلقهم من احتمال أن يضعف الأمن الإقليمي نتيجة الالتزامات الأميركية المتقلبة تجاه الشرق الأوسط، فقد قال 33% من الخبراء إن الشكوك المشتقة من التناقضات التي تحملها السياسة الأميركية أضعفت أمن المنطقة، ومن بين هؤلاء، كان 57% عراقيين، و50% إماراتيين، و45% سعوديين، وفي المقابل، لم يكن مفاجئاً أن يعتبر 30% من الخبراء الإيرانيين فقط و23% من الإسرائيليين الولايات المتحدة قوة قادرة على إرساء الاستقرار في المنطقة، لكن أكد 50% من الأميركيين على الدور الأميركي الأساسي لتسهيل مسارات الحل المتوازية.

في النهاية، تكشف نتائجنا أن إدارة بايدن تملك فرصة قيّمة لإنهاء سياسات المصالح الشخصية التي طبّقها ترامب في الشرق الأوسط على مر أربع سنوات. قد يصبح زمن بايدن عهد الالتزامات المتعددة الأطراف وتجديد استقرار الصراعات، حيث تدعم الولايات المتحدة دول الشرق الأوسط في خطواتها التدريجية لمعالجة الصراعات الإقليمية، لا سيما تلك التي تشمل إيران، وقد تُمهّد هذه العملية في نهاية المطاف لانفراج العلاقات وإطلاق حوار إقليمي شامل.

سانام فاكيل – فورين أفيرز

منتقدو الاتفاق النووي المبرم في 2015 يخشون أن تتخلى إدارة بايدن عن نفوذها إذا قررت العودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات سريعاً

معظم الخبراء شدّدوا على ضرورة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق وهي تحمل خطة عمل واضحة لمعالجة عيوبه
back to top