وفاة روث غينسبرغ تمنح دونالد ترامب فرصة قلب موازين المحكمة العليا

● الجمهوريون يستعجلون تسمية بديل... والديمقراطيون يطالبون بانتظار الرئيس القادم
● ماكونيل يتعهّد بأن يصوّت مجلس الشيوخ لتثبيت مرشح الرئيس... وأوباما يذكّره بـ 2016

نشر في 20-09-2020
آخر تحديث 20-09-2020 | 00:12
أميركيون يتجمعون أمام المحكمة العليا في واشنطن تعبيراً عن حزنهم وتقديرهم لغينسبرغ (إي بي أيه)
أميركيون يتجمعون أمام المحكمة العليا في واشنطن تعبيراً عن حزنهم وتقديرهم لغينسبرغ (إي بي أيه)
قبل 6 أسابيع من الانتخابات الأميركية، فتحت وفاة عميدة قضاة المحكمة العليا، روث غينسبرغ، الباب أمام معركة سياسية حادة لملء منصبها الشاغر بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، الذي بات صاحب الأفضلية في تعيين خليفة لها، وخصومه الديمقراطيين، الذين طالبوا بأن يختار الوافد الجديد للبيت الأبيض مَن سيخلفها.
على وقع تزايد الانقسامات مع اقتراب موعد انطلاق السباق إلى البيت الأبيض، أصبح أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرصة كبيرة لحشد تأييد اليمين المتدين وتعزيز الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا بتعيين شخصية ثالثة، خلفاً لعميدة قضاتها روث غينسبرغ، التي وافتها المنية أمس الأول عن 87 عاماً، محاطة بعائلتها في منزلها بواشنطن بعد معركة مع سرطان البنكرياس.

وعلم الرئيس الجمهوري المرشح لولاية ثانية بنبأ وفاة القاضية التقدّمية، التي تعد أيقونة لليبراليين والمكافحة من أجل حقوق النساء والأقليات والبيئة، من صحافيين في ختام مهرجان انتخابي عقده في مينيسوتا، فاكتفى بالإشادة بـ «حياتها الاستثنائية»، بدون أن يفصح عن نواياه بشأن مقعدها.

وبعد ساعات، قال ترامب، في بيان، «تنعى أمتنا اليوم فقدان أحد عمالقة القانون»، مضيفاً أن «قراراتها ألهمت جميع الأميركيين وأجيالاً من العقول القانونية الفذة». وبات أمام ترامب فرصة لقلب موازين المحكمة وتغيير شكلها بطريقة لم تحدث منذ عهد الرئيس رونالد ريغان، الذي عيّن 3 قضاة مدى الحياة خلال فترة حكم امتدت لثماني سنوات في الثمانينيات، مما جعل المحكمة آنذاك تميل إلى اليمين.

وعندما كان مرشحاً للرئاسة عام 2016، دعا ترامب غينسبرغ إلى الاستقالة، واتهمها بأن «عقلها اختل»، بعدما انتقدته في مقابلات إعلامية.

وأعلن ترامب في أغسطس أنه لن يتردد في تعيين قاض بالمحكمة العليا حتى قبل وقت قصير من الانتخابات، قائلا: «سأتحرك سريعاً».

وحرصاً منه على حشد تأييد اليمين المتدين، وضع بعد ذلك قائمة أولية بمرشحين جميعهم قضاة محافظون معارضون بمعظمهم للإجهاض ومؤيدون لحمل السلاح.

وتعيين ترامب لشخصية أخرى في المحكمة العليا سيعطي المحافظين أغلبية 6 مقابل 3، مما يعني أن الأخذ برأي القضاة الليبراليين سيتطلب تأييد اثنين من المحافظين لهم.

وتضم المحكمة الحالية 5 محافظين من أصل 9، وهم لا يتخذون موقفاً موحداً في كل القضايا، بل غالباً ما يصوّت أحدهم مع زملائه التقدميين.

وتملك المحكمة العليا كلمة الفصل في كل القضايا الاجتماعية الكبرى التي ينقسم عليها الأميركيون، مثل الإجهاض وحقوق الأقليات والمثليين وحيازة السلاح وعقوبة الإعدام والحريات الدينية والسلطات الرئاسية وغيرها.

موقف ديمقراطي

وعانت القاضية، التي عيّنت عام 1993 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وتميّزت بدفاعها عن حقوق المرأة في السبعينيات، واكتسبت شعبية واسعة جداً رغم جديّة منصبها، من مشكلات صحية منذ بضع سنوات، ونقلت إلى المستشفى مرتين خلال الصيف، وكان الديمقراطيون يتابعون عن كثب وضعها، خشية أن يسارع ترامب بتعيين خلف لها.

وقبل توجّهه مع خصمه ترامب إلى ولاية مينيسوتا ذات الثقل الانتخابي، حيث رفعا نبرة انتقاداتهما المتبادلة قبيل أول مناظرة بينهما، حذّر المرشح الديمقراطي جو بايدن من التسرع بتعيين خلف لأشهر القضاة الأميركيين، مؤكدا أنه «يجب على الناخبين اختيار الرئيس، وعلى الرئيس اختيار قاض لينظر فيه مجلس الشيوخ».

وفي حين حيّا بايدن «بطلة أميركية» و«صوتاً لا يكلّ في السعي إلى المثال الأعلى الأميركي: تساوي الجميع أمام القانون»، دخل الرئيس السابق باراك أوباما على خطّ الأزمة المحتملة، مؤكداً أن غينسبرغ «قاضية دؤوبة في عملها وحازمة وفقيهة في القانون، وقاومت حتى النهاية، بإيمان ثابت في ديمقراطيتنا ومثلها»، مشيراً إلى رغبتها في عدم اختيار من يحلّ محلها حتى يتم تنصيب رئيس جديد.

وطالب أوباما الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ بألّا يتصرفوا على أساس «ما هو ملائم أو مفيد في الوقت الحالي»، مشدداً على أنه يجب بدلاً من ذلك، شغل مقعد المحكمة الشاغر من خلال «عملية لا يمكن التشكيك فيها».

وفي إشارة إلى اختياره القاضي ميريك غارلاند، أكد أوباما أنه قبل 4 سنوات، أرسى أعضاء الحزب الجمهوري «مبدأ بألّا يقوم مجلس الشيوخ بشغل مقعد شاغر في المحكمة العليا قبل أن يؤدي رئيس جديد اليمين»، معتبرا أن المبدأ الأساسي للقانون هو الإنصاف والاتساق، لذا يجب أن يلتزم مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، بنفس المعيار الآن.

وذكرت إذاعة «إن بي آر» أن القاضية أفصحت عن وصيتها الأخيرة لحفيدتها كلارا سبيرا، فقالت لها قبل وفاتها «أعز أمنية لديّ هي عدم تبديلي طالما لم يؤدّ رئيس جديد اليمين الدستورية».

اختيار وتصويت

وبموجب الدستور، يختار الرئيس مرشحه ويطرحه على مجلس الشيوخ للمصادقة عليه. وأبلغ رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري، ميتش ماكونيل، منذ الآن أنه سيجري عملية تصويت، بالرغم من أنه رفض عام 2016 تنظيم جلسة استماع إلى غارلاند، الذي اختاره باراك أوباما لهذا المنصب، بحجة أنه كان عاماً انتخابياً.

وفي تأكيد على أن وفاة غينسبرغ ستغيّر بشدة من التوازن الأيديولوجي الهشّ داخل المحكمة بين الليبراليين والمحافظين أصحاب الأغلبية الفعلية، ذكر ماكونيل أن مجلس الشيوخ يعتزم التصويت على أيّ مرشح يختاره ترامب، الذي سبق أن عيّن اثنين من المحافظين في المحكمة العليا مدى الحياة، مبرراً موقفه في 2016 بأن الأغلبية في مجلس كانت ضد الرئيس، أما الآن فهي لمصلحته.

وقال ماكونيل إنه ليس هناك أيّ تناقض في موقفه بين دعوته لتأجيل تسمية قاض بديل في 2016 لما بعد الانتخابات ودعوته الآن الى عدم الانتظار حتى انتخاب رئيس جديد، موضحاً أنه «منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر لم يؤيد أيّ مجلس شيوخ تعيين مرشح للمحكمة العليا من قبل رئيس ينتمي لحزب لا يملك الغالبية بمجلس الشيوخ في عام انتخابي، وهذا ما جرى في 2016 عندما كان أوباما في حالة البطة العرجاء، لكنّ الوضع مختلف اليوم، إذ إن الرئيس ينتمي إلى حزب يملك غالبية المجلس».

ونظراً للتشكيل الحالي لمجلس الشيوخ (53 جمهورياً و45 ديمقراطياً واثنين من المستقلين يدعمون في معظم الأحيان الديمقراطيين)، لا يملك حزب الأقلية سلطة إيقاف الرئيس وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ عن تعيين بديل لغينسبرغ.

وتنصبّ آمال الديمقراطيين على حفنة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين قد ينشقون لمنع الرئيس من تثبيت مرشحه. وقالت السيناتورة ليزا موركوفسكي من ألاسكا، قبل ساعات من وفاة غينسبرغ، إنها لن تصوّت لتأكيد مرشح ترامب إلا بعد 3 نوفمبر.

وقالت سيناتورة مين سوزان كولينز التي تواجه معركة إعادة انتخاب صعبة، إنها لن تصوّت لتثبيت قاضٍ بالمحكمة العليا في أكتوبر، كما أنها لن تصوّت لمنصب قاضٍ في فترة البطة العرجاء إذا خسر ترامب الانتخابات.

وتحسباً لهذه الأزمة، دعا بعض النشطاء الليبراليين غينسبرغ إلى الاستقالة خلال الفترة الرئاسية الثانية لأوباما، حتى يتسنى له تعيين شخصية ليبرالية أكثر شباباً يمكنها البقاء لعشرات السنين في المحكمة.

وإن كان الجمهوريون يملكون غالبية 53 مقعداً من أصل 100 في مجلس الشيوخ، فإن بعض المعتدلين الذين يواجهون حملات صعبة لإعادة انتخابهم قد لا يشاركون في التصويت، ومن المتوقع أن يوظّف المعسكران وسائل كبرى لمحاولة إقناعهم. وتوقّع أستاذ القانون كارل توبياس «معركة سياسية ضارية»، لأنه إذا تمكّن ترامب من تعيين قاض جديد «فستصبح المحكمة العليا الأكثر انحيازاً للمحافظين منذ قرن».

وبفضل انسجام مواقف غينسبرغ، وهي أكبر أعضاء المحكمة سناً، وصاحبة ثاني أطول مدة خدمة بين قضاة المحكمة الحاليين بعد كلارنس توماس، مع تطلعات الشباب، فازت بتأييدهم إلى حدّ أطلقوا عليها لقب «نوتوريوس آر بي جي»، تميناً بمغني الراب نوتوريوس بيغ.

وفي تحرّك عفوي، تجمع المئات مساء أمس الأول أمام أعمدة مبنى المحكمة العليا تكريماً لها، وتم تنكيس أعلام «الكونغرس» والبيت الأبيض.

وبالرغم من مواقفها الليبرالية، صدرت إشادات عن الجمهوريين والديمقراطيين على السواء فور إعلان نبأ وفاتها. وقالت زعيمة الديمقراطيين في «الكونغرس» نانسي بيلوسي إن «كل امرأة، كل فتاة، كل عائلة في أميركا استفادت من ذكائها اللماع»، في حين أعلنت أصغر أعضاء مجلس النواب وممثلة الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي ألكسندريا أوكازيو كورتيز «خسرنا عملاقة في التاريخ».

وكانت النبرة مماثلة من الطرف الآخر من المروحة السياسية، فأشاد وزير الخارجية مايك بومبيو بـ«بطلة في القانون»، فيما أثنى وزير العدل بيل بار على حقوقية «نافذة ولامعة تحظى بالإعجاب».

وفي حين أعرب السناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب من الرئيس عن «حزنه» لوفاتها، خرج السيناتور الجمهوري تيد كروز المدرج على قائمة ترامب للمرشحين المحتملين للمحكمة العليا عن هذا الإجماع، ليطالب بتعيين خلف لها، فدعا الرئيس إلى إعلان خلفها منذ الأسبوع المقبل، حتى يتمكّن مجلس الشيوخ من تثبيته في المنصب قبل الانتخابات. وكتب: «هذا التعيين هو السبب الذي انتخب دونالد ترامب من أجله».

وبين المرشحين البارزين أيضاً إيمي كوني باريت (48 عاماً)، التي شغلت منصب قاضية محكمة الاستئناف في ولاية إنديانا، والتي كان ترامب رشّحها في المرة السابقة عندما تم اختيار كافانوه بدلاً من القاضي أنتوني كينيدي، الذي تقاعد في 2017، وكان محسوباً على المحافظين لكنّه أعطى صوته لليبراليين في الكثير من القضايا.

أقلية الكونغرس لا تملك إيقاف الرئيس وآمالها على المنشقين عن الأغلبية
back to top