«نساء وادي النوم» تعكس التحولات واغتراب الذات

الرواية الجديدة للمغربي جلول قاسمي مزيج سردي شعري ينهل من أجواء المناجم

نشر في 16-08-2020
آخر تحديث 16-08-2020 | 00:04
حياة المناجم بيئة فريدة يمكن لأي كاتب أن يبدع نصاً من وحي أجوائها وتفاصيل حياة عمَّالها وطبيعة حياة الناس من حولها. هذا ما نجح فيه ببراعة الكاتب المغربي المعروف جلول قاسمي، حين أطلق روايته "سيرة للعته والجنون" في مطلع القرن الحالي، ويبدو أنه عاود الاشتياق إلى هذا العالم، مستثمراً نجاح التجربة الأولى فأطلق أخيراً روايته الجديدة "نساء وادي النوم".
أعلن الأديب المغربي جلول قاسمي عن نفسه كروائي متميز، في بداية القرن الحادي والعشرين حين أصدر روايته البديعة "سيرة للعته والجنون"، وتواصلت أعماله فأصدر "سوانح الصمت والسراب"، و"مدارج الهبوط"، ثم "العابر"، وأخيراً صدرت روايته الخامسة تحت عنوان "نساء وادي النوم" عن دار روافد في القاهرة.

وترتبط روايات قاسمي بمدينة جرادة المنجمية الواقعة شرقي المملكة المغربية، لذا لم يكن غريباً أن تنشغل "سيرة للعته والجنون" بقضايا عمّال منجم الفحم ورصد التغيُّرات الحادثة في نمط الحياة في المدينة وما حولها، ثم تجسيد صدمة الناس هناك إثر قرار توقيف العمل في منجم جرادة الذي تحوّل تدريجيا من نعمة إلى نقمة. وهي القضية التي عاد لمعالجتها مجدداً في "نساء وادي النوم"، حيث عاد إلى جرادة ومنجمها وناسها، مطوراً الشكل واللغة اللذين اهتدى إليهما في "مدارج الهبوط".

ويختار قاسمي نقطة انطلاق روايته من انتهاء حياة أخرى، إذ تبدأ بموت أم فضلة، وهي الأم الكبيرة أو "عميدة العائلة"، ويمثل موتها مؤشراً للأحداث، يحيل إلى تحولات المدينة التي تستشرف أفولها بعد إغلاق المناجم مع ما أعقب ذلك من تحول اقتصادي واجتماعي وانهيار للقيم والتوازنات داخل المدينة التي كان المنجم عصب الحياة فيها، وهو ما أوحى به النص بداية من جملته الأولى "الآن وقد انتهى كل شيء؛ عليك أن تعيد ترتيب الأوقات"، كما أكده في مواضع أخرى، فالراوي يربط بين موت الأم وسقوط المدينة الواقعة تحت سطوة العسس والمخبرين.

اللغة الشعرية

وشكلت اللغة الشعرية الملمح الأبرز في "نساء وادي النوم"، حيث امتزجت اللغة السردية باللغة الشعرية ليتشكل من امتزاجهما إيقاعٌ جديد للنص الروائي يعكس اغتراب الذات الكاتبة وإحباطاتها، لكن في كل الأحوال فإن دمج اللغة الشعرية جاء متناغماً مع السرد ومن دون أن يفقد النص هويته السردية.

الحاجة السردية

وتلجأ الرواية إلى التكثيف والترميز، وتأتي بالتشبيه والاستعارة، بما يناسب وجدانية البوح في عدة مواقف، وفي حالات أخرى تلجأ الرواية إلى التضمين، بمعنى أن يأتي الكاتب بنص شعري استدعته الحاجة السردية، وقد يكون النص عربياً فصيحاً، يذكر السارد قائله كما في قوله: "كل الأحبة يرتحلون، فترحل في العين، شيئاً فشيئاً، ألفة هذا الوطن، رحم الله أمل دنقل" هنا ذكرٌ للنص وصاحبه في حين قد يأتي بنص دارج يبدو وكأن الراوي يحدو به إبل قافلة العودة:

"تحْلْحَلْ يا كافْ كَرْدَادَ وَرْحَل

دَرَّكْتْ عْلَيَّا جْبَالْ الطَوَّايا

دُونْ غْزالي مَا لْقيت مْنينْ نْطلْ

غيمكْ طَاحْ رْوَاكْ خَبَّلْتْ سْدَايا"

فهذه الأغنية الشعبية التي تتردد في ثنايا النص، تمنح السارد سمت الراوي الشعبي فلم تأت الأغنية في النص لمجرد الغناء، بل أسهمت في دفع حركة السرد إلى الأمام، فضلاً عن أنها تظهر بعض سمات البيئة المحلية التي تشكل فضاء الأحداث، وقد أدت هذه اللغة الشعرية إلى أن يكون نمو الحدث بطيئاً وهو ما أبطأ السرد، وجعل شعورنا بمرور الزمن ثقيلاً، وهو الأنسب لمواقف التذكر وإثارة الشجون التي استدعت اللغة الشعرية المرتبطة براوٍ لا يعمد إلى الفعل بل يجتر ألمه، ويعبر عن قلقه وحيرته، كما أن حركة السرد البطىء تناسب منطقتي "وادي النوم" و"جرادة" باعتبارهما من الأماكن الصحراوية الساكنة.

الأغنية الشعبية التي تتردد في ثنايا النص تمنح السارد سمت الراوي الشعبي

روايات قاسمي ترتبط بمدينة «جرادة» المنجمية بشرق المغرب
back to top