ماكرون يحكم لبنان من باريس!

نشر في 09-08-2020
آخر تحديث 09-08-2020 | 00:07
هل الوصاية الدولية كفيلة بوضع نظام سياسي جديد في لبنان، كما دعا إلى ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون عندما وجه كلاماً (قاسياً) إلى الطبقة السياسية الحاكمة واصفاً إياها بالفساد وانعدام الثقة والأخلاق السياسية؟ أم أن تلك الحلول لا مكان لها على الطاولة؟
 حمزة عليان أَلْتمس العذر لمقدمة البرامج "الدلوعة" مايا دياب التي استنجدت بالأمير محمد بن سلمان لتخليص بلدها من "الحثالة" التي تحكمه، وأَلْتمس العذر من الفنانة كارمن لبُس لمطالبتها بعودة "الاستعمار" الفرنسي للبنان، بدلاً من عيشة الذل التي تقبع تحتها، وألتمس العذر لـ36 ألف لبناني ولبنانية طالبوا بأن يحكمنا "ماكرون" للخلاص من الكارثة التي حلت بهم وبوطنهم!

هؤلاء لم يقدموا على تلك الدعوات إلا بعد أن وصل بهم اليأس حداً اضطرهم لتفضيل "الاستعمار" على الاستقلال المزعوم.

شخصية كويتية محبة للبنان وتتمتع بسجل وطني حافل علق على موضوع عودة الاستعمار بالقول "لو كنت مواطنا لبنانيا لما تأخرت لحظة بالتوقيع على العريضة والمطالبة بعودة الانتداب الفرنسي".

بات الإجماع اليوم على أنه لم يعد من المقبول أن تستمر الطبقة الحاكمة والفاسدة في إدارة شؤون البلد، ليس ذلك فقط بل الإقرار بأن لبنان غير قادر على أن يحكم نفسه بنفسه وليس باستطاعة اللبنانيين القدرة على الانتظار وتحمل نكبات طبقة فاسدة وصيغة حكم سقطت في حفرة المرفأ.

تعابير الخيانة والتخوين والشعارات الفارغة تم مسحها بفعل ركام فضيحة العصر بالمرفأ، والتي هزت العالم ولم تهز شعرة واحدة برأس الطبقة الحاكمة والفاسدة، وما شهدناه يوم الرابع من أغسطس 2020 أو ما بات يعرف بـ (11 سبتمبر اللبناني)، كان بمثابة الضربة القاضية لصيغة الحكم.

نظرة على الأحداث الكبرى التي حصلت في لبنان منذ الاستقلال عام 1943، أي قبل 77 سنة من الآن، وإلى اليوم تقول بأن البلد لم يكن يحكم من أبنائه بل كان رهينة لإملاءات الخارج، ومن يقل إن الدولة المركزية موجودة فهو واهم، فقد كانت الطائفة هي الدولة، وزعماء هذه الطائفة هم الذين يحكمون ويتحكمون في أبناء جلدتهم والبلد ككل!

وعلى مدى عقود مضت، والوجوه نفسها تقريباً والصراعات والحروب بالوكالة تتكرر، وهي وجوه، بعضها، ضيَّعوا البلد بخلافاتهم وتوزيع الغنائم والحصص على أنفسهم وأزلامهم.

فتحوا الجرح ولم يعد لديه القابلية للالتئام، فالتنازع الأهلي والتشرذم بين الطوائف وحكامها طال كل مناحي حياة الإنسان اللبناني، فهو مربوط بطائفته وزعيمه منذ أن يخرج إلى الدنيا وإلى لحظة وداعها!

كنت من الذين يتحلون بالأمل وعدم اليأس، ونمنّي النفس بأن الشعب اللبناني لن ينكسر، وأنه محب للحياة، وإلى ما هنالك من أحلام وآمال وأساطير، اليوم نحن أمام استحقاق تاريخي! بإيجاد حل جذري لا حل ترقيعي أو تهدئة خواطر وعفا الله عما مضى، فقد أصبح التغيير هو الخلاص، صحيح أن اللبنانيين شعب قوي، هذا فهمناه، لكننا انكسرنا هذه المرة، ولكي لا نعود للانكسار ونثبت للآخرين أننا لن ننكسر، علينا البحث عن حلول، والسؤال: هل عودة الاستعمار هي الحل؟ بالطبع لا، لأن هذه المرحلة انتهت هي أيضاً وأقفلت الإمبراطوريات الأبواب على نفسها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

قد يكون الكلام بفصل الدين عن الدولة من أسهل الحلول وأفضلها، وإقامة دولة مدنية وهذا مطلب الغالبية من الناس، لكن هل يتحقق هذا المشروع التغييري؟ وكيف؟

هناك تجارب مشابهة مرت بها البشرية والمجتمعات والدول خصوصا المشابهة للوضع اللبناني من حيث تركيبته الطائفية، وتكويناته العرقية، "والنموذج البوسني" حاضر أمامنا بالمشهد.

أوجدوا صيغة اتفاق يعرف باسم "دايتون" بعد حرب ضروس ومجازر ضد الإنسانية كان ضحيتها المسلمين من البوسنة (1992)، تدخل الغرب والمجتمع الدولي بقيادة أميركا والأوروبيين وأوجدوا هذه الاتفاقية بين العرقيات الثلاث الصرب والكروات والمسلمين، بحيث يتناوب على رئاسة الدولة واحد من الثلاثة في مجلس مشترك يضم ثلاثة أعضاء، في حين تدار الدولة بطريقة لا مركزية إلى حد كبير وتضم كيانين مستقلين: اتحاد البوسنة والهرسك (يتألف من 10 كانتونات) وجمهورية صربيا مع وحدة ثالثة لمقاطعة برتشكو، تدار بحكم محلي.

هل يصلح أن نستنسخ هذا النموذج، أم أن الوصاية الدولية كفيلة بوضع نظام سياسي جديد كما دعا إلى ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون عندما وجه كلاماً (قاسياً) إلى الطبقة السياسية الحاكمة واصفاً إياها بالفساد وانعدام الثقة والأخلاق السياسية؟ أم أن تلك الحلول لا مكان لها على الطاولة بانتظار ما سيفرضه حاكم قصر الإليزيه بعد عودته مجدداً إلى بيروت في الأول من سبتمبر 2020 قبل أن يتسابق أهل الحل والعقد على إيجاد "وصفة" صالحة للحكم وتكون فرصة لهم بقراءة كتاب نسيم طالب "البجعة السوداء" وندوته الأخيرة في الجامعة اليسوعية، والقول بالفصل بين إدارة الدولة سياسياً من فوق، وبين إعطاء البلديات صلاحيات واسعة أشبه بالكونفدرالية، بحيث تتكفل بكل متطلبات الحياة بما فيها فرض الضرائب مقابل تلك الخدمات!

قد تكون آخر فرصة تأتي إلينا للتغير، فلنستفد منها قبل أن تتلاشى، وتحدث مفاجأة غير متوقعة قبل نوفمبر القادم موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ليس باستطاعة اللبنانيين الانتظار وتحمل نكبات طبقة فاسدة وصيغة حكم سقطت في حفرة المرفأ

الفصل بين إدارة الدولة سياسياً من فوق وإعطاء البلديات صلاحيات واسعة أشبه بالكونفدرالية فرصة للحل
back to top