شاليه الضباعية

نشر في 26-07-2020
آخر تحديث 26-07-2020 | 00:09
 محمد أحمد المجرن الرومي في عام 1967 وعلى شاطئ الضباعية الهادئ النظيف اجتمعت مجموعة من الأصدقاء الذين تتراوح أعمارهم ما بين 17 و23 عاما أغلبيتهم من الطلبة، كانوا أيام الربيع يخرجون إلى البر وينصبون مخيمهم ويقضون وقتا ممتعا مع الجو الجميل والأرض المفروشة بالنباتات البرية، حتى إذا بدأت الحرارة بالارتفاع يكون ذلك إيذانا بانتهاء موسم البر.

وبما أنهم يريدون الالتقاء ببعضهم خصوصاً في فصل الصيف الحار، اتجهوا ناحية البحر ووقع اختيارهم على ساحل جميل وهادئ هو ساحل الضباعية، وكانت السواحل الأخرى تكاد تكون خالية نظرا لكثرة الكثبان الرملية وعدم توافر الكهرباء والماء، باستثناء بعض الصيادين الذين كانت لهم خيام أو أكواخ صغيرة مغطاة بالشينكو وغيرها، لوضع الأغراض المتعلقة بالصيد.

قرر هؤلاء الأصدقاء الشباب أن يلتقوا أيام الصيف وخصوصا في العطلة الصيفية في نهاية الأسبوع في ذلك المكان الهادئ الجميل على شاطئ البحر النظيف، وبما أن أغلبيتهم من الشباب الذين تبلغ أعمارهم أقل من سن العشرين، فليس لدى أغلبهم سيارات أو حتى إجازة قيادة، فكان الأكبر والذي لديه سيارة يمر على مجموعة من أصدقائه ليصحبهم في طريقه إلى الشاليه بشاطئ الضباعية.

كانت الأمور في ذلك الوقت بسيطة عندهم، يتعاونون أحيانا في الطبخ إذا لم يتوافر طباخ، وكانت لديهم خيمة يستظلون بها من الحر ويستخدمونها للأكل، أما النوم فيكون في الهواء الطلق، ولما ازدادت طلعاتهم للبحر وضعوا بدلا من الخيمة شبرة ثابتة تفي بالغرض، كانوا يستعملونها سابقا في طلعات البر، وتكون مطبخا ومخزنا للأغراض بما فيها احتياجات الصيد وغيرها.

في ذلك الزمان لم يكن هناك جمعيات تعاونية، ولا محطات وقود في الطريق، والكثبان الرملية عالية على طول الساحل، الطريق المعبد صغير يمر باتجاهين بدون إضاءة بطبيعة الحال، كان هؤلاء الشباب يتعاونون ويتسامرون والمحبة والصداقة تجمعهم، كان لهم أصدقاء يزورونهم أحيانا، كان بعضهم يتكفل بجلب المواد الغذائية اللازمة، وكانوا يتشاركون بالمصاريف التي كانت قليلة في ذلك الزمن، والمكان يلفه الظلام لعدم وجود الكهرباء وكذلك الماء.

كانوا يستخدمون الإضاءة اليدوية والمصباح اللوكس المشهور سابقا، وبعد ذلك أحضروا ماكينة كهرباء صغيرة تفي بالغرض أما الماء فكان التنكر هو المنقذ، وكانوا يشترون قالب الثلج من الفحيحيل، وهي آخر منطقة مسكونة في ذلك الوقت، أما في المساء فكان النوم في الهواء الطلق وخصوصا بالقرب من الشاطئ حيث السماء صافية والنجوم تتلالأ وتساعد على النوم بعد إطالة النظر إليها.

تطورت الأمور بعد عدة سنوات بعد أن تخرج الكثير من الجامعة، فصاروا يأتون إلى الشالية حسب ظروف كل شخص، بعد ذلك نظموا العملية بأن أقاموا "شاليه" أكبر، وخصصوا مكاناً للطبخ والحمامات وعند تنظيم منطقة الشاليهات دخلت الكهرباء والماء، وتم الاستغناء عن تنكر الماء وماكينة الكهرباء. وبعد أن كانوا يشترون بعض حاجاتهم من دكان صغير بالقرب من تجمع الفنادق يملكه شخص يدعى "أبو حاتم" انتشرت الجمعيات في جميع أنحاء الكويت، وكانت المشتريات من الجمعيات خلال هذه السنوات الطويلة من الصداقة والمحبة والتعاون.

افتقد الشاليه بعض الذين كانوا يشيعون البهجة الصادقة والسرور، وذلك بوفاتهم رحمهم الله، وبعضهم لم يعد يذهب للشاليه فقل عدد من يرتادونه، فقرر أصحابه بيعه بعد 53 سنة من التجمع في هذا المكان الجميل على أن تظل العلاقات الأخوية قائمة بينهم. وهكذا الحال بعد السنوات الحلوة الجميلة التي قضوها في الشاليه تبقى الذكريات الجميلة لمجموعة من الشباب الذين تجمعوا على الخير والمحبة، وكانت علاقتهم بجيرانهم تسودها الاحترام ومراعاة حق الجار، وذلك بتصرفاتهم الراقية التي حض عليها الدين الحنيف، وما جبلوا عليه من تربية وأخلاق عالية، وكان لابد أن يتذكروا أصدقاءهم الذين رحلوا عن هذه الدنيا الفانية.

رحم الله أبا صلاح وأبامروان وأبا عبدالمحسن وصالح، وأطال الله أعمار الباقين من أصحاب الشاليه، ومتعهم الله بالصحة والسعادة، وقالوا جميعا: وداعا يا شاليه الضباعية.

back to top