ودوني البحر!!!

نشر في 16-07-2020
آخر تحديث 16-07-2020 | 00:08
 د. سلطان ماجد السالم يوجد عدد من المشاهد الخالدة في تاريخ السينما والتلفزيون التي لن تبرح ذاكرة المشاهد ما حيي، ولعل من أبرزها على مستوى المنطقة العربية ذاك المشهد الدرامي-الكوميدي للفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا مجسداً فيه الشخصية الأكثر شهرة في عالم الكوميديا الهادفة والراقية (حسين بن عاقول)، وهو يصدح بأعلى صوته ويردد تلك الكلمات الخالدة "ودوني البحر!!!".

شَكل الراحل (أبو عدنان) مع كوكبة من نجوم الشاشة الكويتية العريقة فريقاً لن تنساه ذاكرة المشاهدين ﺇلى أبد الآبدين، فكان طموح الشاب بن عاقول (الكادح) أن يرتقي ويُحسن من وضعه المعيشي مع أسرته، ويدخل ﺇلى عالم الطبقة المخملية ولو عن طريق برجوازية الطبقة المتوسطة في تدشين عدد من المصانع والمتاجر!! ومع ذلك كله، وحتى حين تمت معاقبة بن عاقول على يد السلطة بسبب غشه التجاري، طلب ذاك المسكين (البيلوتاري) من أخيه أن يأخذه ﺇلى البحر ليبرأ من جراحه.

كان يعلم بن عاقول أن البحر هو هبةٌ من الله، وهو ملكٌ للجميع، يتنزه الناس على يَمه ويصطادون من خيراته ويلعب صغارهم وكبارهم على ضفافه، ويضمدون جراحهم النفسية قبل الجسدية بمناجاته والاغتسال به كما فعل صديقنا بن عاقول بعد بيع لحم الكلاب على المستهلكين، لكن لو كان يعلم أن دولاب الزمان سيدور لتتعالى أصوات استفزازية بعد أكثر من أربعين سنة من تلك الحادثة، وهي تطالب باحتكار البحر لها هي فقط، لقرر بن عاقول الهجرة في لحظتها!! ولو علم أن البعض يفرض في زمننا الحالي تذكرة لاستخدام الشواطئ العامة، لبقي بن عاقول في مصر ولم يوقع على صفقة شراء الأهرامات البتة.

طنطنة أصوات التمييز الطبقي في المجتمع الكويتي أمرٌ متزايد، وفي الواقع هو أمرٌ أيضاً حتمي ومتوقع في ظل الصراع الطبقي الذي نعيشه الآن، ففي ظل الزمن الذي بدأت تدرك فيه الناس أن الاقتصاد اليساري هو الحل والتطور الطبيعي للنظام الرأسمالي المستبد، قامت تتعالى أصوات بالمطالبة بصكوك ملكية واحتكار موارد الطبيعة كالبحر للبعض دون الآخرين، مع طلب ترخيص لاستخدام بعض الشواطئ وما شابه، فذلك بالطبع أمرٌ مفهوم في ظل سكوت صناع القرار عن "ﺇعادة تدوير" الأراضي والقسائم الصناعية من الدولة ﺇلى التجار بسعر الـ100 أو 200 فلس للمتر وﺇعادة تأجيرها بالشيء الفلاني والعلاني، علاوةً على غياب الضرائب على الشركات التجارية والتي تمثل عصب اقتصاد أي دولة، ومما زاد الطين بلة، وضع الشباك مؤخراً أمام الشواطئ لإغلاق سير المارة والمتوجهين ﺇلى البحر أمام بعض المنازل المواجهة للخليج العربي، فعلاً سيأتينا ذاك الوقت الذي تؤخذ منا ضريبة "غاز الأكسجين" كوننا نستنشق الهواء نفسه الذي هم يستخدمون، ولكن مع تزايد وعي الناس الآن سيكون شمال البوصلة مشيراً ﺇلى اليسار قليلاً!!

في الواقع، هذه أيضاً دعوة مني موجهة الى الجميع للتمتع بأملاك الدولة ومرافقها كافة، والتي جعلتها بين يدي الشعب من بحر وحدائق عامة وخلافه، فلينظر كل منكم ﺇلى الشخص الذي بجواره الآن، وليقل له "ودني البحر" مع المحافظة على الاحترازات الوقائية من "كورونا" الذي نسأل الله العافية والسلامة منه للجميع.

على الهامش:

في ظل التباعد الجسدي الذي نعيشه الآن، ما زال "كورونا" (مشكوراً) يكشف نماذج حية عن تعسف بعض المسؤولين في الدولة واستغلالهم مناصب وضعوا فيها دون علم ولا دراية منهم في أبجدياتها، ومن يستحقها ينظر بحسرة إلى ما آلت ﺇليه الأمور، وفي نهاية المطاف يكتشف الموظف أن المدير أصلاً لا يعرف كيف يستخدم الإيميل (البريد الإلكتروني) ومع ذلك يتفذلك!!

back to top