بركات كورونا

نشر في 28-05-2020
آخر تحديث 28-05-2020 | 00:05
 طالب الرفاعي قد يبدو العنوان لافتاً، فكيف لهذا الوباء اللعين أن يحمل بركات للعالم؟ كيف لكورونا الذي أوقف حركة الحياة البشرية أن يكون مباركاً؟ وأخيراً كيف لمرض كوفيد-19، الذي أصاب ما يزيد على أكثر من خمس ملايين إنسان، وأودى بحياة ما يزيد على الـ300 ألف، وهذه إحصائيات متغيرة، العثور على مصل أو مضاد، يستطيع الوقوف بوجه كورونا. لكن، مع كل الخسائر البشرية، والانهيارات الاقتصادية، والبطالة، وما يمكن أن يعبث به كورونا في وجه العالم بألوان متغيرات قادمة، فإن الفيروس له أفضال، أو على الأقل قدم شيئاً موجباً هنا أو هناك!

لقد فاجأ كورونا العالم، واضطر الجميع إلى اتخاذ ما يمكن اتخاذه للإبقاء على وصل الحياة، وواحدة من النواحي التي أصابها كورونا بمقتل هي الثقافة، وأنا هنا أتكلم عن الكاتب والكتاب، وعن معارض الكتب، والمؤتمرات الثقافية، وعن الندوات والمحاضرات والجمهور. والتي كانت في جزء أساسي منها تعمد العلاقة بين الكاتب والجمهور، وبين أسئلة الجمهور وردود المحاضر. لكن، ولأن الإنسان لا يقف أمام العوائق أياً كانت، فسرعان ما استجدت أشكال من الوصل الثقافي التي كانت هادئة، أو أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها كانت في الظل من الحدث الإبداعي والثقافي العربي.

خلال فترة وجيزة، أصبحت منصات التواصل الافتراضي حدثاً يكاد يكون يومياً على مائدة المشهد الثقافي، سواء كانت في برامج التواصل الكبيرة، وأكثرها تداولاً برنامج "زوم-Zoom" أو عبر برامج كثيرة مشابهة له. إضافة إلى الاستضافات الشخصية التي تنعقد في كل وقت على برنامج "انستغرام-Instagram" خلافاً للأشكال المتعارفة والمتداولة في الفيس بوك وتويتر وغير ذلك من برامج التواصل الاجتماعي.

ما استجد حقيقة، هو التفات المؤسسات الثقافية العربية، الأهلية والحكومية، إلى إمكانية استخدام برامج التواصل الاجتماعي بوصفها حاضنة جيدة لمختلف أشكال المحاضرات والندوات، وبضيف واحد ومحاور، أو بأكثر من ضيف، كما أن هذه المنصات تضمن وجود جمهور، يصل في بعضها إلى عدد غير محدود، كأن يكون عشرات الآلاف أو مئات المتابعين. وكما هو معمول به في اللقاءات المباشرة، فإن الحديث يتشكل من أسئلة المحاور وإجابات المتحدثين، وتالياً يتم الالتفات لأسئلة الجمهور وإجابات المحاضرين عليها.

هذا الشكل المستجد على المشهد الثقافي العربي، الذي ظل عقوداً يعتمد الوصل البشري المباشر، قد يكون متغيراً كبيراً في القادم من الأيام، فما الذي يجعل مؤسسة خاصة أو حكومية، تبذل ميزانيات كبيرة لجمع عدد من المحاضرين حول موضوع ما، إذا كان ممكنا إجراء ذلك عبر برنامج افتراضي، وبأقل التكاليف المالية؟ وبالوصول إلى نفس النتائج المرجوة من الندوة أو المحاضرة.

ما ان تنتهي جائحة كورونا حتى تلتفت دول وأنظمة العالم إلى مشكلتها الأكبر في ترميم اقتصاداتها المنهارة، وفي الصميم من ذلك محاولة تقليص الميزانيات في مختلف الاتجاهات، وأكاد أكون واثقاً بأن الثقافة ستكون على رأس المتضررين من هذا التقليص والتقشف.

ليس سراً أن ميزانيات وزارات الثقافة في الوطن العربي، لا تكاد تتجاوز الـ (%1) من إجمالي ميزانيات الدول في أفضل تقدير، لذا متوقع جداً أن تحظى ميزانيات الثقافة بأقل القليل، ومطروح على جدول كل المؤسسات الثقافية حول العالم، إمكانية تقليل وتقليص الموظفين العاملين لديها إلى أقل الحدود. وهذا ما يجعل استخدام تقنية المحاضرات والندوات الافتراضية شأناً مهماً وحاضراً في أذهان المسؤولين متى ما عادت الحياة إلى رتمها الطبيعي بعد زوال كورونا.

نعم، المنصات الافتراضية انتعش حضورها في جائحة كورونا، لكن هذا الحضور سيكون شأناً يومياً متداولاً في جميع الأحداث الثقافية، وليس أقل من أن يؤهل المبدع والمثقف العربي نفسه، ليكون جزءاً من وصل تقني جديد قادر على تغيير الكثير من أمور الثقافة العربية، وعلى رأسها المهرجانات والمؤتمرات ومعارض الكتب، ونحن لسنا في البعد من ذلك.

back to top