بعيداً عن أسواق المضاربة النفطية

نشر في 29-04-2020
آخر تحديث 29-04-2020 | 00:30
 د. عبدالسميع بهبهاني الإنتاج العالمي للنفط الخام قبل أزمة كورونا، أي في بداية يناير 2020، كان 101 مليون برميل يومياً، وبعد إقرار معدل الخفض 13.1 مليون برميل يومياً لتحالف أوبك وخارجها (أوبك+)، ولو فرضنا أن الالتزام بالقرار هو 90 في المئة فسيكون الخفض الفعلي هو حوالي 11.79 مليون برميل يومياً، ومنه سيكون الإنتاج العالمي في مايو ويونيو 89.21 مليون برميل يومياً، وإذا فرضنا أن انخفاض الطلب العالمي المقدر أسوأه بـ 15 مليون برميل يومياً، فسيكون الإنتاج الكلي 98 مليون برميل يومياً، فهذا يعني أن هناك فائضاً يقدر بحوالي 5 ملايين برميل يومياً يملأ المخازن النفطية العالمية.

إذا جمعنا الخزانات الاستراتيجية والتجارية (براً وبحراً) نجدها قد فاقت ستة مليارات برميل، أي ما يقارب 25 في المئة فوق فائض أزمة 2016. فمن المستفيد من هذا الانهيار؟ لعله يتراءى للوهلة الأولى أن المستفيد هو المستهلك؛ الفرد وشركات التصنيع! ولكن في حقيقة الأمر لا أحد يستفيد من ذلك (حتى المضارب)، لأنه لا يمكن أن تبقى الأسعار في هذا المستوى، لما سيصاحب ذلك من نقص في الإنتاج نتيجة عدم توافر كلف التشغيل التي بدأت تظهر آثارها على كثير من الشركات في تسريح موظفيها وإغلاق مرافقها ومصافيها.

السؤال القاصم هو: لماذا لا يتم إنتاج النفط حسب متطلبات السوق، أي أن كمية الطلب هي ما يحدد كمية الإنتاج؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال يمكننا تحليل مدى إمكانية التحكم في إنتاج النفط في عقبات: منها العقبة الفنية، حيث ليس كل الآبار يمكن التحكم بها كآبار سيبيريا الروسية وآبار الكسور الأرضية الصخرية، وآبار الإنتاج الثانوي والثقيل. ومنها العقبات القانونية وتشمل طبيعة التزامات الدول المنتجة مع الشركات الأجنبية العاملة، والتزامات الشركات النفطية تجاه ملاك العقارات التي تعمل بها كما في الولايات المتحدة، وأخيراً سلطة الدولة على شركاتها. في تقديري أنه رغم واقعية كثير من هذه المشاكل فإن هناك مساحة كبيرة من الإنتاج يمكن التحكم بها إذا تجاوزنا العقبة الشكلية الثالثة، وهي التنافسية في الأسواق، ولعل هذه العقبة هي الغالبة في المحنة الحالية، حيث توجه الدول المصدرة، وخصوصاً لدول آسيا، للتنافس في نسب الحسومات المالية الفاحشة على سعر البرميل الرسمي (OSP) وهذا ما يتناقض مع أصل فكرة خفض الإنتاج! كذلك توجه الشركات الأميركية الكبرى إلى الاستمرار في معدل الإنتاج طمعاً في إفلاس "الصغيرة" ومن ثم الاستحواذ عليها! فامتلأت الخزانات النفطية وقاربت أقصاها، وهذا يعني:

● إطالة أمد عودة السوق النفطي إلى توازنه.

● تقلبات كبيرة في الأسعار النفطية نتيجة انفلات مرونة منحنى علاقة السعر بالطلب.

● تأخر في إنجاز مشاريع النفط والإنتاج والتطوير مما يسبب نقصاً شديداً في الانتاج المستقبلي المتوقع بعد سنتين، مما سيسبب قفزات فجائية في الأسعار تؤثر على المصانع والمستهلكين معا.

* انحدار الأسعار إلى السالب للعقود الآجلة مما يسبب انهياراً لأسواق المال.

● إفلاس الشركات النفطية الخاصة المتوسطة والصغيرة نتيجة إضافة البنوك للفوائد المخاطرة العالية.

● تعطل مشاريع البنى التحتية للدول المنتجة المعتمدة على النفط في ميزانيتها نتيجة عجوزات ميزانياتها.

ويبقى السؤال السحري هو: متى تستقر أسواق النفط؟ ولتحديد ذلك هناك عوامل مؤثرة: أولا، الإحساس الإنساني لمنتجي النفط سواء كانوا دولاً أو شركات بعيداً عن الاقتصاد في أهمية توازن العرض والطلب وعلاقة ترابط حلقاتها التصنيعية التي أثرت على الدول الفقيرة قبل الغنية بمآس لانقطاع المنتجات الأساسية إليها، والتي من أهمها الطاقة، وخاصة النصف الجنوبي من خط الاستواء.

ثانياً، الالتزام الدولي لتجاوز الأزمة، إذ لا معنى لخفض إنتاج مصاحب لحسومات فاحشة على البرميل، ولا معنى للتحجج بمبادئ "السوق الحر" إذ أنتجت مساوئ عكسية جديدة على الجدوى الاقتصادية، وها هي الأسعار تتجه إلى السالب مرة أخرى في عقود يونيو المقبل، ما لم يُتخذ قرار حاسم في اجتماع الخميس 30 أبريل الجاري، ولا معنى لتطبيق الأجندات الجيوسياسية من مقاطعات وحجر على دول وقت الأزمات تفادياً لانتشار السوق السوداء!

في تقديري، إذا ساهمت شركات الولايات المتحدة في خفض الإنتاج الدولي بثلاث ملايين برميل يومياً فقط، فإن السوق النفطي سيصل إلى توازنه في النصف الثاني من 2022. وأعتقد أن الدرس الحالي يجب أن ينتج نظاماً دولياً أكبر وأكثر مرونة لسوق النفط على غرار منظمة أوبك، وقمة العشرين وغيرها.

الكويت فقدت فرصاً كثيرة في هذه الأزمات كان يمكن الاستفادة منها، رغم وجود مشاريع كثيرة سباقة أقرت على الورق كزيادة القدرة الإنتاجية والنفط الخفيف والغاز والمشتقات المحلية والدولية ومنتجات البتروكيماويات والصناعات التحويلية... إلخ. وقد مرت أزمات كنا بأمس الحاجة لسد نقص الأسواق العالمية بها ولها جدواها ولكن تأخرت وتضخمت ميزانياتها ففقدت جدواها، وها هي تعود الفرص مرة أخرى، فالعالم القادم مضطرب وغير مستقر ولا ينجو فيه إلا ذوو الملاءة المالية وذوو ثروات الطاقة... أرجو عدم المماطلة فالفرص قادمة لمصادر الطاقة، التي أهمها النفط!

*عبدالسميع بهبهاني خبير واستشاري نفط

back to top