نقطة : في مديح «الكورونا»

نشر في 10-04-2020
آخر تحديث 10-04-2020 | 00:20
 فهد البسام كنتَ إذا استعصى عليك إصلاح الخلل في أغلب الأجهزة الإلكترونية القديمة، وحتى بعض الجديدة، تطفئها وتعيد تشغيلها، لتصلح ذاتها وتعمل بعدها بشكل طبيعي. يبدو أن "كورونا" هو حالة الإطفاء للكرة الأرضية، ليعيد الناس التفكير بأنفسهم وبأحوالهم قليلاً، فقد كانوا في عجلة من أمرهم طوال الوقت ووراء كل شيء وإلى ما لا نهاية.

أفهم مثلاً عجلتهم الصباحية، فهم مضطرون للوصول إلى أعمالهم ووظائفهم في الوقت المحدد، لكني لم أفهم أبداً سبب سرعتهم وتسببهم بالازدحام المبالغ فيه عند انتهاء عملهم وعودتهم إلى منازلهم، ولم أكن أدرك ما هي المتعة وما الذي سيفوتهم في بيوتهم، التي سيصلون إليها في كل الأحوال، ثم هم أنفسهم يركضون بعد ساعات هرباً منها إلى الشوارع والأسواق والمقاهي، في رحلة دائرية لا تنتهي! فجاءهم الفيروس ليعيدهم إلى رشدهم، ويجلسهم في بيوتهم طوال الوقت، ويحرمهم من أي شيء آخر، فيُرجع الأمور إلى نصابها لبعض الوقت، لعلهم يستوعبون ما كانوا فيه.

كذلك الأمر بالنسبة للاهثين خلف المال أو المناصب أو الشهرة، في لعبة الكراسي الموسيقية، سواء بالحلال أو الحرام، أو من كان بانتظار الفرصة ليغترف، فهو مفيد لهم، ولنا أيضاً بشكل أكبر وأنفع، لأنه يخبرهم بأنهم قد يجدون فرصة للنهب مثلاً، ولكن لا مهرب لهم مع الأموال، فإذا لم يقبض عليك الإنتربول فإن المرض يحاوط الجميع حول العالم، والدينار المسروق أو الذي قضيت عمرك بالركض وراءه بحثاً عن الشعور الزائف بالأمان لن ينفعك الآن، وذلك مما نأمل أن يخفف من نهم اللصوص وجشع الكانزين، رغم شكوكي العميقة في بعض ربعنا، فمنهم مَن حتى الموت لا يؤثر بهم.

الفيروس أطفأ كل العالم وأنت معه، وكأنه يعطي البشر الفرصة ليعيدوا تشغيل حياتهم وأنفسهم حسب النظام الأصلي الطبيعي، وليخبرهم بأن لا شيء أبداً كان يستحق كل هذه السرعة والاستعجال، واللهاث الذي كنتم فيه، هدوا راسكم شوية.

back to top