بعيداً عن هموم... الكورونا! (1-2)

نشر في 11-03-2020
آخر تحديث 11-03-2020 | 00:10
 خليل علي حيدر لفتت نظري مجموعة مقالات في العدد الأخير من مجلة "العربي"، مارس 2020! لم أكن أتصور أن علم الكمبيوتر أو "الذكاء الصناعي" يزحف علينا بهذه السرعة التي يؤكدها مدير تحرير المجلة العريقة، الأستاذ إبراهيم المليفي، ويقول في مقال له، "يتوقع المخترع الأميركي رايموند كرزويل أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى المستوى البشري في العام 2029، أي بعد تسع سنوات من الآن"، وهذه تكاد تكون بعد غد!

أعجبت بكلمة "تكنوفوبيا" الواردة في العنوان، والتي تعني "الخوف من مستقبل فيه التكنولوجيا إلى مرحلة الاستقلال الذاتي وعدم تلقي الأوامر من صانعها"، وما ينجم عن هذا الخوف من شعور بالعجز وخشية المجهول.

"التكنوفوبيا" لم تبدأ في القرن الحالي أو ما قبله، يقول الكاتب، بل بدأت منذ ظهور الثورة الصناعية والآلة في إنكلترا خلال القرن الثامن عشر، حين بدأت الآلات تحل محل البشر، إذ قامت مجموعة من النساجين بتخريب الآلات التي حلت مكانهم، ولم يتوقف التخريب إلا بعد أن أصدر البرلمان الإنكليزي قانونا يعتبر تدمير الآلات جريمة يعاقب عليها القانون.

الذكاء الاصطناعي لن يبلغ المستوى البشري قريباً فحسب، وربما يتجاوز فطنة و"دهاء" أذكى الأذكياء منا، بل، كما يقول أ. المليفي عن الأميركي "كرزويل"، إذا توقعنا امتداد المسار من عام 2029 إلى عام 2045 مثلاً، "فربما نحظى بأضعاف أضعاف قدرات الذكاء البشري"، يا للرعب! لعبت أفلام الخيال العلمي دورا في تقديم هذا النوع من الذكاء إلى الجمهور، ولكن هل سيتفوق هذا العقل على عقولنا حقاً؟ وهل ستتطور لدى الإنسان الآلي مشاعر الضمير والمكيدة والطيبة والأنانية والصداقة والحب والكراهية كذلك؟ الروائي النيوزيلندي "صامويل باتلر" كتب عام 1863 مقالا ساخراً فيما يبدو، بعنوان "داروين بين الآلات" تساءل فيه عن هوية الكائنات التي ستكون لها السيادة على الأرض بعد انقراض البشر! وأجاب بأننا نحن أنفسنا "نخلق سادتنا... ومع مرور الزمن سنجد أنفسنا الجنس الأدنى، المسألة فقط مسألة وقت حتى تهيمن الآلات على البشر".

(العربي، ص12)

الحقيقة المعيشة اليوم أننا تحت رحمة الآلات والحاسبات والثقافة الرقمية، "والجميع مجبر على الارتباط بالنظام الرقمي"! الثقافة الرقمية قد تكون مثل أي نظام تقني أو حتى سياسي آخر، كلما ارتقى وتقدم ازداد هشاشة في بعض جوانبه، وبات أكثر عرضة للمشاكل وأشد ضعفاً أمام "الهاكرز" وجند التخريب، وهو ما نتعرض له اليوم في أنظمتنا المالية والأمنية المدنية بين حين وآخر وربما مع تزايد اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي نزداد ضعفاً على ضعف ووهناً على وهن.

أعجبت كذلك بمقال د. جابر عصفور، الكاتب الكبير والأكاديمي البارز، الذي تحدث عن "الشاعر الناقد" وهي ظاهرة ثقافية متكررة في كل الآداب، حيث يكون أبرز الشعراء والناثرين المبدعين، مثل ت. س. إليوت من كبار النقاد كذلك! وهذا كما يبدو تناقض واضح.

يقول د. عصفور: "قرأت للشاعر صلاح عبدالصبور قصائد لا تنسى، وأعدها من عيون شعر الحداثة، كما قرأت له مقالات نقدية لا أزال أعدها من عيون المقالات النقدية التي قرأتها في حياتي. ولا أزال أذكر مقالاته الممتعة عن الأعمال الأدبية الممتازة التي كتبها غيره، والتي علق عليها نقدياً في جريدة الأهرام، منذ زمن بعيد كنت لا أزال طالبا جامعيا ولا أزال أذكر إلى اليوم مقال صلاح عن مجموعة نجيب محفوظ القصصية التي عنوانها "دنيا الله"، ففي هذه المجموعة قصة أصابتني بالحيرة ولم أفهمها لأول وهلة، وهي "قصة زعبلاوي"، والحق أنني لم أفهم الطابع الميتافيزيقي لهذه القصة إلا بعد أن قرأت تفسير عبد الصبور لها".

هل يمكن القول إن الإبداع الأدبي في مجاله، والنقد كجهد فكري تحليلي، هما في الحقيقة وجهان للابتكار والخلق؟ وإن النقاد رغم ذلك- إن كان أديباً نشطاً- لا ينتج بالضرورة أدبا كاملا خاليا من مطاعن النقاد ومآخذهم؟ أليس بعض أشكال "النقصان" ربما من مظاهر القوة والعمق والتلقائية في التعبير الأدبي والفكري، أو هي مما تتضارب فيها الآراء والاجتهادات وتتفاوت الأذواق وحكم الأجيال؟

إن بعض أشعار عبد الصبور، يقول د. جابر عصفور، "تشكيل حداثي بلا شك يذكرنا بلوحات "براك" و "بيكاسو"، ولوحات الفن التجريدي كله". ولكنه شعر، يضيف د. عصفور، "تنطوي تشكيلاته على تحولات هي تجسيد حي لحيوية هذا الشعر وإبداعه في آن".

يتبع غداً ،،،

back to top