الروس... يتحدون الموت!

نشر في 20-02-2020
آخر تحديث 20-02-2020 | 00:10
 خليل علي حيدر كان الخيال الطبي والعلمي السوفياتي آنذاك في الخمسينيات والروسي اليوم متحمسا لتجميد الموتى، والاحتفاظ بالجثث! إما لإعادة الحياة لهم لاحقا بتدفئتها وإساحة الدم في عروقها بعد تقدم العلم مع مرور السنين، كما توقع بعضهم بشبه يقين، أو لاقتطاع أعضاء حيوية من الجثث وإعادة استخدامها، ولا أدري هل قاموا بتجارب أم لا، على أعضاء مجمدة كالقلب والكلى في الإنسان والحيوان؟ وهل وجدوها تعمل وتعود إلى الحياة فعلا؟ ما نشير إليه أن الكتاب الذي نعرضه لباحثين سوفيات صادر في أواخر خمسينيات القرن العشرين، يذكر ذلك ضمن تنبؤاته في قرننا الحالي "الحياة في القرن الحادي والعشرين".

ولا شك أن جدلاً مثيراً سينشب بين "الماديين والروحيين"، إن نجح الروس أو غيرهم في إعادة الحياة إلى بعض الأجساد المجمدة، وقد نتساءل كذلك: هل يمكن إعادة الحياة إلى القلب والمخ مثلا؟ وقد يتسبب مثل هذا النجاح في طرح السؤال من جديد: ما الموت؟ وما الذي يموت في الإنسان لدى وفاته؟ وهل يمكن أن يحيا بعض الإنسان ومعظمه الباقي في حالة وفاة؟

الروس لا يزالون يطاردون هذا الحلم!

نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" قبل أسابيع تحت عنوان "شركة روسية تجمد 70 دماغا وجثمانا انتظارا لتقدم تكنولوجي يعيدها للحياة"، ويبدو أن المؤسسات العلمية في روسيا اليوم على أهبة الاستعداد للتصدي لمثل هذه الأنباء، فقد ذكرت الصحيفة أن "ايفجيني ألكسندروف" رئيس "لجنة العلوم الكاذبة بالأكاديمية الروسية"، وصف مثل هذه الممارسات بأنها "نشاط تجاري بحت ليس له أي أساس علمي"، وأضاف أنه "وهم يضارب بآمال الناس في البعث من الموت وأحلام الحياة الأبدية". (16/ 1/ 2020). تصور وجود لجنة "للعلوم الكاذبة" في الأكاديمية الروسية!

وبحسب ما ذكرت وكالة "رويترز" أضافت الصحيفة أن الشركة تحتفظ بالأدمغة والجثامين "في النيتروجين السائل، في واحد من عدة أوان يبلغ عدة أمتار، في عنبر مبني بألواح من المعدن المتعرج خارج موسكو، حيث يتم تخزين هذه الأجسام والأجزاء البشرية في درجة حرارة تبلغ 196 درجة مئوية تحت الصفر، بهدف حمايتها من التحلل، وذلك رغم أنه لا يوجد حتى الآن دليل على أن العلم قد يتمكن من إعادتها للحياة".

ويشمل التجميد الحيوانات الأليفة المتية كذلك، فقد قامت السيدة "فاليريا أودالوفا" مديرة شركة كريوروس بتجميد كلبها عندما مات في 2008 وتقول "أودالوفا": "من المرجح أن تطوِّر البشرية التكنولوجيا اللازمة لإحياء الموتى في المستقبل، لكن لا يوجد ضمان لظهور هذه التكنولوجيا"، وقالت الشركة إن مئات العملاء المحتملين من نحو عشرين دولة تعاقدوا على خدماتها بعد الموت، وأضافت الصحيفة أن تكلفة حفظ الجسد بالكامل 36 ألف دولار، أما تكلفة حفظ الدماغ فتبلغ 15 ألف دولار للروس، علما أن متوسط الرواتب الشهرية في روسيا يبلغ 760 دولارا، وتكلفة حفظ أدمغة غير الروس أعلى قليلا!

الموت في قاموس (المنجد) ثلاثة أنواع: "الموت الأحمر"، هو الموت قتلا، "الموت الأبيض" هو الموت الطبيعي أو المفاجئ، وأخيرا "الموت الأسود" وهو الموت خنقاً".

( ص 779- طبعة 1986).

وبالطبع لا تنحصر أسباب الموت بهذه الأشكال الثلاثة التي يذكرها القاموس، فهناك السقوط من شاهق، والموت في الفراش، والانزلاق على قطعة صابون في الحمام، والموت جوعاً أو عطشا أو من الحر أو البرد أو يبتلعك تمساح أو ...إلخ. تعددت الأسباب والموت واحد!

وقد نتساءل اليوم ولنا الحق بعد تقدم العلوم الطبية ووسائل نقل أعضاء الجسم: ماذا لو بلغ هذا الطب غايته، وتغلب على كل مستحيلاته وحواجزه الحالية، فبات من الممكن وبسهولة مثلا الاستفادة من كل أعضاء الجسد الميت "من الرأس إلى القدمين"، ونقلها لمرضى آخرين مشوهين أو فاقدي أعضاء؟ وماذا لو شمل ذلك الجلد والشعر والعظام والرأس والمخ والوجه واللسان؟ ثم ما الذي يمكن دفنه من المتوفى بعد ذلك عام 2100 مثلا؟! وماذا لو انتفت الحاجة إلى المدافن يوماً أو تغيرت محتويات وأشكال القبور فظهرت قبور بدون رفات؟! وماذا لو تقدمت العلوم مستقبلا في مجال إطالة الأعمار وتأجيل أو تجميد الشيخوخة بما يرافقها من تدهور في الخلايا وابيضاض في الشعر وظهور للتجاعيد وتساقط أسنان وهبوط عام؟!

هل نحن نشهد خلال العقود القادمة ميلاد "طب ما بعد الموت"؟ لا أحد يدري، إن امتداد العمر عقودا أو سنوات لم يعد بالاحتمال البعيد طبياً، بل نحن نلاحظ اليوم تفاوت متوسط الأعمار بين سكان الدول الاسكندنافية والدول الإفريقية وبين أعمار الكويتيين والخليجيين ودول كثيرة أخرى في العالم الثالث!

إن امتداد العمر عقودا وسنوات لم يعد طبيا بالاحتمال البعيد، ولم يعد هناك ما يمكن أن نعتبره بكل ثقة أمرا مستحيلا، وبخاصة إن رصدت له ميزانيات ضخمة كميزانيات الوصول إلى المريخ، وأصبح من الممكن تسويقه تجاريا كعمليات التجميل وشفط الدهون وطب المناظير والجراح الآلي والاستنساخ وطب الخلايا الجذعية وأشياء وتطورات أخرى لا يعرفها إلا أهل الاختصاص، أو ربما تلك التي لا يتوقعها حتى أشهر الأطباء وأعلم العلماء من تطورات قادمة.

ثم ماذا عن نتائج امتداد الأعمار وتجدد الشباب واستعارة الأرحام ودمج دماغ الإنسان بشرائح حاسوبية إلكترونية فائقة القدرة؟ وما تأثير ذلك كله على حياتنا وقيمنا ومؤسساتنا الاجتماعية وقانون العقوبات وكل مناحي الحياة؟ هل سيتحكم طب الخلايا والأنسجة وطب التجميل بالخلايا وتوجيه أعضاء الجسم من وجه وشعر وقوام وبشرة نحو الجمال والرقة بأقصى درجاتهما مقابل مبالغ مجزية وبخاصة إن استخلصت هذه الخلايا من أجمل النساء وأوسم الرجال، وما العمل إن تلاقت جهود العلماء والأطباء في هذا المجال مع جهود مطوري الرجل الآلي والمرأة الآلية "الروبوتية"، فظهرت لنا كائنات بشرية جديدة، نحار في أمرها وتفعل في نظامنا الاجتماعي والمعيشي الأفاعيل؟!

إن تراثنا الأدبي قد يساعد في ازدهار هندسة الخلايا، وبخاصة في إنجاب أجمل النساء وأقدرهن على مجابهة مهامهن في المنزل والعمل الوظيفي، وكذلك في توليد من سيكون أنسب الرجال للعصر المثير القادم.

وقد لخص الأولون "أسرار الجمال" وفق قيم عصرهم في إحدى وعشرين صفة، قد لا يوافق عليها جميعا المعاصرون!

جاء في كتاب "كشكول نشأت"، القاهرة- مكتبة الأنجلو، وهو كتاب منوعات يقول مؤلفه إنه يتضمن مجموعة من الـ"ظرائف والطرائف من أدب العرب والفرس"، وقد جاء في الكتاب:

"لخص حكيم أسرار الجمال إلى ثلاثة ثلاثة:

1- بياض في ثلاثة: الجلد، الأسنان، اليدان.

2- احمرار في ثلاثة: الشفتان، الخدان، الأظافر.

3- طول في ثلاثة: القامة، الشعر، اليدان.

4- قصر في ثلاثة: الأذنان، الأسنان، الساقان.

5- سعة في ثلاثة: الصدر، الذراعان، عضلة الساق.

6- صغر في ثلاثة: الخصر، القدمان، اليدان.

7- رقة في ثلاثة: الأصابع، الشعر، الكفل". (ص91- 92).

ونواصل الحديث عن تنبؤات كتاب "الحياة في القرن الحادي والعشرين"!

back to top