ماذا يمكن أن تقدم أوروبا؟

نشر في 09-02-2020
آخر تحديث 09-02-2020 | 00:00
يُواجه العالم تحديات اقتصادية هائلة، بما في ذلك التنافس الصيني - الأميركي، والتغير التكنولوجي السريع، والشيخوخة السكانية في الاقتصادات المتقدمة، وزيادة عدم المساواة في الدخل وتدهور الحراك الاجتماعي، والتدهور البيئي.
 بروجيكت سنديكيت ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في الشهر الماضي في دافوس بسويسرا، أنه يتعين على أوروبا إظهار المزيد من الحزم في العالم. وهذا يعني "مضاعفة الجهود" في بعض المناطق، لكن ما المناطق المُستهدفة؟ للإجابة عن هذا السؤال، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحدد- ويوضح بشكل مقنع- ما يمكن أن يقدمه لبقية العالم.

لكن قول ذلك أسهل من فعله، لاسيما مع التحول السريع لديناميكيات القوى العالمية، وفي ليلة خطاب فون دير لاين، طرحتُ السؤال على قائد أعمال أوروبي وعلى مسؤول عام كبير سابق، لم يكن لدى كليهما أي إجابة.

إن ممثلي القوى الكبرى الأخرى في العالم لن يواجهوا الصراع نفسه، إذ تُعد الولايات المتحدة رائدة في مجال الابتكار والتكنولوجيا، ولديها أسواق مالية واسعة، كما أنها تمتلك أقوى جيش في العالم، مما يضمن فعليًا أولوية أميركا العالمية في المستقبل المنظور.

من جانبها، أثبتت الصين نفسها كقوة موازنة اقتصادية وسياسية هائلة للولايات المتحدة، إلى حد كبير عن طريق الاستيلاء على موقع مهم في سلاسل القيمة العالمية، وبشكل متزايد، كمصدر رئيس للاستثمار الأجنبي المباشر، وإن هجوم القوة الناعمة الذي يتضمن مشاريع طموحة للبنية التحتية العابرة للحدود الوطنية مثل مبادرة الحزام والطريق، قد أكسب الصين العديد من الأصدقاء، على الرغم من أنها أثارت أيضًا مخاوف من مواجهة عسكرية حتمية مع السلطة الحالية، وهي ديناميكية تُعرف باسم فخ ثوسيديدس.

ومع ذلك، تبدو أوروبا اليوم غير متأكدة من دورها العالمي، فقد غادرت المملكة المتحدة رسميا الاتحاد الأوروبي، ويولد صعود الشعبوية الاستقطاب والشلل والضغوط الداخلية، بحيث لم يعد بقاء الاتحاد ذاته مؤكدًا، وقد لاحظ المستثمرون أن أسواق الأوراق المالية في المنطقة كانت لها عوائد ضعيفة منذ عقدين، مما يعني عدم الثقة في الإمكانات الطويلة الأجل للكتلة.

ولكن من السابق لأوانه الاستغناء عن أوروبا، ففي رأيي، هناك أربعة مجالات رئيسة يمكن للاتحاد الأوروبي أن يثبت نفسه من خلالها كلاعب عالمي:

المجال الأول والأكثر وضوحا هو التجارة، فوفقًا للبنك الدولي يظل الاتحاد الأوروبي بعد بريكسيت موطنًا لنحو 450 مليون شخص، حيث يبلغ إجمالي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 36.000 دولار، وبالتالي يبقى شريكا تجاريا مرغوبا فيه.

المجال الثاني الذي يمكن لأوروبا قيادته هو التنظيم القانوني، خاصة بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، ومن نواح كثيرة أثبتت أوروبا نفسها بالفعل كرائدة في التنظيم القانوني. على سبيل المثال، منح قانون اللائحة العامة لحماية البيانات، الذي تم تنفيذه في عام 2018، سكان الاتحاد الأوروبي القدرة على التحكم في بياناتهم الشخصية، مع وضع معيار جديد لقواعد خصوصية البيانات. على المستوى الوطني، لدى فرنسا قوانين صارمة بشأن التشهير والخصوصية.

بالتأكيد، هناك أسئلة حول ما إذا كان التنظيم القوي يقيد الابتكار والديناميكية الاقتصادية. على سبيل المثال، يمكن النظر إلى إجمالي الناتج المحلي على أنه عبء ثقيل، وبالتالي يقوض الاستثمار والنمو، لاسيما بين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ولكن مع تزايد الشكوك العامة حول شركات التكنولوجيا الكبرى، أصبحت القيادة الأوروبية في هذا المجال أساسية ومُبررة.

المجال الثالث الذي يمكن أن تؤدي فيه أوروبا دورًا أساسيا عالميًا هو المنافسة بين الولايات المتحدة والصين. قد لا يؤدي فخ ثوسيديدس- الذي تجلى بالفعل في حرب التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين- إلى صراع عسكري، خاصة إذا كان الاتحاد الأوروبي بمثابة حَكَم، مما يساعد في تحديد أهمية مشاركة هاتين القوتين، ولتحقيق النجاح لن يتعين على أوروبا التعامل مع المسائل الاقتصادية فقط، مثل الحرب التجارية القائمة، ولكن أيضًا مع الصدام الأيديولوجي بين الرأسمالية الديمقراطية الأميركية والنموذج الذي تقوده الدولة في الصين.

لذلك، يتعين على أوروبا استخدام قدرتها الفريدة في مجال رابع: الدفاع عن القيم الغربية، وخاصة الحريات الاقتصادية والسياسية الفردية. بالفعل، ترى العديد من الدول أن النموذج الصيني- الذي يتجنب الانتخابات التنافسية ويمنح الطبقة السياسية سيطرة كبيرة على الاقتصاد- مسارا بديلا للتنمية. على أوروبا تسليط الضوء على عيوب هذا النهج والقيم الليبرالية الديمقراطية.

هناك أمل أن يقوم الاتحاد الأوروبي، كما طالبت فون دير لاين، "بمضاعفة جهوده". في الواقع يعكس إعلانها في دافوس الإجماع الذي ظهر بين الزعماء السياسيين الأوروبيين في السنوات الأخيرة، وأبرزهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. على سبيل المثال، تعهد ماكرون "بتجديد" الاتحاد الأوروبي في خطاب تنصيبه عام 2017، وأكد الحاجة لاستعادة روح التقدم منذ ذلك الحين.

لقد حان الوقت لتحويل هذا الخطاب إلى عمل، إذ يُواجه العالم تحديات اقتصادية هائلة، بما في ذلك التنافس الصيني الأميركي، والتغير التكنولوجي السريع، والشيخوخة السكانية في الاقتصادات المتقدمة، وزيادة عدم المساواة في الدخل وتدهور الحراك الاجتماعي، والتدهور البيئي. يمكن لأوروبا أن تساعد العالم في التغلب على هذه التحديات، لكن أولاً عليها تحديد التحديات، وكيف ستعمل على مواجهتها.

* خبيرة اقتصادية دولية، ومؤلف لأربعة من الكتب الأكثر مبيعاً لمجلة نيويورك تايمز، بما في ذلك كتاب «حافة الفوضى: لماذا تفشل الديمقراطية في تحقيق النمو الاقتصادي، وكيف يمكن إصلاحه».

«دامبيسا مويو»

back to top