رياح وأوتاد: لا غنى لأي بلد عنكم ولكن لازم تدفعون

نشر في 27-01-2020
آخر تحديث 27-01-2020 | 00:09
 أحمد يعقوب باقر مثل كثير من التصريحات والمقالات عانت وزيرة المالية ردود فعل لم تتوقعها بعد تصريحها بشأن العجز في الميزانية، ولم يغب عني وأعتقد عن كل متابع دقيق أن الوزيرة (كما وضحت بعد ذلك) كانت تقصد الهيكلة العامة للرواتب، أو ما يعرف بالبديل الاستراتيجي، ولا يمكن أن تكون قد قصدت تخفيض رواتب الموظفين لأن من المعلوم حماية الدستور والقانون لجميع الحقوق المكتسبة للموظفين ومنها الرواتب، ولكن بعض غير المطلعين من النواب والمرشحين فهموا أو تعمدوا الفهم أن الحكومة تريد تخفيض الرواتب الحالية، فانتهزوها فرصة للدفاع عن الرواتب والهجوم على تصريح الوزيرة لكسب الشعبية، وانصرفوا بقصد أو بغير قصد عن المعالجة الحقيقية لأخطر ما جاء في تصريح الوزيرة وهو خطورة الاختلال الاقتصادي الذي سيؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى العجز.

فعندما تعتمد أي دولة على مصدر واحد ناضب للدخل فهذا اختلال اقتصادي، وعندما توظف الحكومة 90% من القوى العاملة فهذا اختلال اقتصادي خاصة مع قدوم الأعداد الهائلة الجديدة من قوى العمل، وعندما لا يساهم القطاع الخاص في إيرادات الميزانية ولا يوظف القوى العاملة فهذا اختلال اقتصادي، وعندما تكون أكثر من 90% من أراضي الدولة ملك الحكومة فلا تطورها ولا تستثمرها فهذا اختلال اقتصادي، وعندما تكون معظم مفاصل الاقتصاد في يد الحكومة فهذا اختلال اقتصادي، وعندما تشكل الأيدي العاملة الوافدة 90% من العمالة الفنية فهذا اختلال اقتصادي، لذلك من المؤسف أن تتجاهل معظم ردود الفعل على تصريحات الوزيرة هذه الحقائق المرة بدلاً من محاولة إصلاحها، ولكن رغم ذلك لم تخلُ الساحة من مواقف أكثر فهماً ووعياً لهذا الاختلال، وأخص بالذكر ندوة التيار التقدمي "مع بعض الملاحظات المهمة عليها"، التي تحدث فيها كل من الأخ أحمد الديين ود. حمد الأنصاري، حيث تناولا الحديث عن الفساد والهدر، ولكن لم يغفلا الحديث عن الاختلال في هيكل الاقتصاد، وكذلك بعض التغريدات المهمة للأستاذ سامي النصف ود. عادل الصبيح، وكذلك إشادة من بعض كبار الاقتصاديين الكويتيين بمقالي السابق عن عجز الميزانية.

كنت أتوقع من الإخوة الأعضاء اهتماماً أكبر بهذه الاختلالات الاقتصادية، خصوصا فيما يتعلق بالمصدر الوحيد للدخل وسبل استثماره وتصنيعه، وكذلك سبل مساهمة القطاع الخاص لتحقيق دور أكبر في الاقتصاد وتمويل الميزانية.

ولا يمكن أن تستغني أي دولة متقدمة عن دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات والتنمية والتوظيف والمساهمة في الميزانية، وقد شاهدنا كيف تراجع واضمحل اقتصاد كثير من الدول بسبب ضرب القطاع الخاص والحرب التي شنت عليه في الدول الاشتراكية والشيوعية.

لذلك يجب إطلاق العنان للقطاع الخاص وتوفير كل الإمكانات الضرورية لعمله مثل تحرير الأراضي واختصار الإجراءات وإعمال قوانين الشراكة وإنشاء الشركات الإسكانية وغيرها حتى يمكّن القطاع الخاص من القيام بالدور المطلوب منه.

وفي الكويت نجحت بعض جهات القطاع الخاص في تحقيق أرباح طيبة من المناقصات والأراضي والخدمات المدعومة وغيرها، ولكن مازالت مساهمتها في ميزانية الدولة دون مستوى الطموح، فالشركات الفردية والمؤسسات التجارية والشركات العائلية وذات المسؤولية المحدودة لا تدفع مبلغ 2.5% من أرباحها لصندوق دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص، لأن قانون دعم العمالة الوطنية يشمل الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية فقط، كما لا تدفع الزكاة لأن قانون الزكاة فرض على الشركات المساهمة العامة والمقفلة المدرجة وغير المدرجة فقط، وأيضاً فإن قانون دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص لم ينفذ بشكل كامل حتى الآن، ويبدو أن الحكومة وأعضاء مجلس الأمة منصرفون عنه، كما يلاحظ أن بعضهم منحازون ضد خلق فرص عمل للكويتي في القطاع الخاص، وتبين ذلك من اقتراحاتهم بشأن قانون الصيدلة وقانون المحامين.

وإذا كان إقرار تلك القوانين قبل سنوات على سبيل الابتداء والتدرج فإن الواقع اليوم يستلزم تعديلها وتوسيع نطاقها بإدخال جميع هذه القطاعات التجارية فيها، مما يعزز الدور الوطني المطلوب منها في الإيرادات والتوظيف، ففي الشريعة الإسلامية كان تجار الصحابة هم أكثر الناس عطاءً للدعوة وتمويلاً للدولة، وفي الدستور الكويتي بينت المادة 16 أن الملكية ورأس المال حقوق فردية ذات واجبات اجتماعية، أي بخدمات المجتمع والتوظيف، وفي دول العالم المتقدم تشكل إيرادات القطاع الخاص والتجار الجزء الأكبر من إيرادات الميزانية.

إذاً فأحد أركان القضاء على العجز بالإضافة الى حرب الفساد ووقف الهدر هو الإصلاح الاقتصادي، وأحد أهم أركان الاقتصاد هو الاهتمام والتوسعة لدور القطاع الخاص، ولكنه، أي القطاع الخاص في المقابل لازم يدفع ويوظف وإلا ماكو فايدة وكأنك يا بوزيد ما غزيت.

back to top