رسالة إلى «دائرة توحيد المبادئ»

نشر في 14-01-2020
آخر تحديث 14-01-2020 | 00:28
 أحمد عبدالله المطوع في غمرةٍ من التفاؤل بمستهل هذه الرسالة التي تحملُ في طيّاتها بصِيص أملٍ ومُناشدة من جسد حرية الرأي والتعبير - المريض المُنهك اليتيم المُكّبل- لجميع الدوائر الجزائية الموقرة بمحكمة التمييز بإحالة أي جناية تُنظر أمامها بتهمة العمل العدائي ضد دولة أجنبية إلى دائرة توحيد المبادئ بمحكمة التمييز حتى يكون لقواعد محكمة التمييز مُستقرٌّ ومُستودع عملاً بالمادة 4/2 من قانون تنظيم القضاء الرقيم 32/1990، فإن الكاتب يؤمن أن خلجات أنفس الكثير من القانونيين وغيرهم تتبنى هذه الرسالة لتعلقها بحقوق دستورية.

من المعلوم لدى الكثير أن هناك مبدأين متناقضين قررتهما أحكام سابقة صادرة من محكمة التمييز بدائرتها الجزائية بتفسيرها للمادة 4 من قانون أمن الدولة الداخلي، يقضي أولهما بأن المساس بكرامة رئيس دولة أجنبية أو قذفه أو إسناد أمور شائنة إليه أو إلى دولته للتقليل من هيبتها أو احترامها يُعد عملاً عدائياً، بينما يقضي المبدأ الثاني بأن تناول الشؤون الداخلية لبعض الدول دون إساءة يُعد أمراً مُباحاً وغير مُجرّم، أما وأن حكم الدستورية الذي حكم بدستورية وسلامة المادة 4 من قانون أمن الدولة الداخلي وانتهى بتفسيره للمادة بأن الركن المادي للجريمة ينصرف معه معنى جمع الجُند أو حشدهم إلى تجنيد وتسخير عناصر وجماعات لخدمة هدف مؤثم من شأنه تعريض مصالح الدولة وعلاقاتها مع الدول للخطر، شريطة أن يكون فعلاً مادياً وخارجياً ملموساً محسوساً، فانتهى بها المطاف إلى أن الأفعال المادية لهذا النص لا علاقة لها بحريّة الرأي والتعبير المكفولة بالدستور.

لا يخفى على معرفة القارئ أن الفقرة الأخيرة من المادة الأولى لقانون إنشاء المحكمة الدستورية قررت أن يكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم، ولا أُخفي عليكم ما يختلج في نفسي وما يكُنّه ضميري -كحال الكثير من زملائي- لا أدري أتعاطف مع سُجناء الرأي؟ أم أرثي حجية أحكام الدستورية -بأسبابها ومنطوقها- التي تسري على سائر المحاكم بما فيها محكمة التمييز؟ أم على توسّع بعض الأحكام بتفسير النصوص الجزائية التي جعلت من جريمة المساس بكرامة الأشخاص جريمة أمن دولة يُعاقب عليها بالحبس لمدة خمس سنوات؟ إن لسان الحال أبلغُ من لسان المقال الذي يدور في فلك مشاعر مُختلطة دون مأوى ومُستقرّ.

أسوق هذه الرسالة بين يدي القائمين على جهاز العدالة لأن بعض أعضاء مجلس الأمة اكتفى بتصريحات ونبرات قد غلب عليها الوهن والثبات لإرضاء القواعد الانتخابية أو لجلد الذات وحفظ ماء الوجه، والبعض قد لايجرؤ على إثارة التدخل التشريعي للحرج السياسي مع الدول الشقيقة، وإزاء تلك الممارسات بدا سُجناء الرأي يزيدون ولا ينقصون.

وأختم رسالتي بكلماتٍ طيّبات قالها المحامي الرائع أ.حسين الغريب في لقاء سابق على قناة أركان:

«لا نركن إلى تعديلات تشريعية في تصويب الأخطاء الموجودة نظراً لأن التشريع اليوم بأيدي أطراف سياسية قد يكون موضوع العدالة ليس في قمة أولوياتها، فهناك إصلاحات ممكن أن يُنفذها القائمون على جهاز العدالة بغير حاجة إلى نصوص، من شأن هذه العلاجات أن تُسرّع الأثر الفوري للعدالة في مكافحة أي تعدِّ على الحقوق أو على الحريات»... انتهت الكلمات لله درّ قائلها.

آمل أن تصل هذه الرسالة إلى من يجب أن تصل إليه. والسلام ختام.

back to top