يقين الشيخ

نشر في 24-12-2019
آخر تحديث 24-12-2019 | 00:01
 حمود الشايجي يحكى أن شيخًا دخل إلى تلامذته، وأول ما رأوه تهيبوا طلته، فلم يكن كعادته، بشوشًا ومرحًا، بل كان وجهه متفكرًا أكثر مما كان عليه كل يوم، سلَّم عليهم، ابتسم، وقبل أن يجلس، أخرج من جيبه تفاحة حمراء لامعة، سأل: «ماذا ترون؟»، فأجاب الجميع بصوت واحد «تفاحة»، ضحك، لم يجد التلاميذ لضحكته مبررًا، وهذا ما جعلهم يتأكدون أن شيخهم قد أصابه شيء لا يفقهونه، سايروه في ضحكته، «أخرجوا أوراقكم»، قالها الشيخ وهو يجلس، استعد الجميع لكتابة ما سيمليه عليهم شيخهم، لكنه لم «يملأهم» بشيء. مد يده إلى الأعلى لكي يرى كل من معه تفاحته، صاح من جديد، «ماذا ترون؟»، أجاب الجميع بصوت واحد «تفاحة»، لم يضحك هذه المرة، لكنه أمرهم: «ارسموها».

تلفت التلاميذ إلى بعضهم، لم يفهموا المراد، فهم الذين جاءوا الدرس ليفقهوا أمور دينهم ودنياهم، فكيف يتحول هذا الدرس إلى درس في الرسم، استجاب البعض والبعض الآخر رفض أن يستجيب، وحاول أن يقاوم رغبة الشيخ، لكن الشيخ لم يستجب لهم بل كل ما فعله أن رفع عينه متأملاً ذراعه الممدودة إلى الأعلى والتفاحة المستقرة على كفه، استسلم المقاومون لرغبة الشيخ واضعين رؤوسهم في قراطيسهم.

لاحظ الشيخ انتهاء تلامذته من رسماتهم واحدًا تلو الآخر، كما لاحظ وجوههم وهم يرسمون تفاحته، فمنهم من استعجل ومنهم من تأنى، ومنهم من تبدل وجهه وهو يرسم ومنهم من جمد، ملامحهم المتغيرة، تنبئ عن شيء من مشاعرهم وتفكرهم.

ومع رفع آخر تلامذته رأسه من ورقته، معلنًا انتهاءه من الرسم، أنزل الشيخ تفاحته إلى الأرض، حرَّك ذراعه كأنه أراد أن يحرك الدم الذي تجمد فيها، ثم أخرج من جيبه سكينًا وراح يقطع تفاحته بشكل شبه متساوٍ على عدد التلاميذ، استبشر البعض بأن مكافأتهم قد جاءت، لكن من كان بقلبه شيء من الحسد ومن بقلبه شيء من التنافس، رفض التساوي في المكافأة، ضحك الشيخ، وهذا ما جعل الجميع يعتقد أن شيخهم ليس بشيخهم، وكأن مسًا أصابه يحيرهم.

سأل الشيخ من جديد عن قطع تفاحته، «ماذا ترون؟»، فأجابوا بصوت واحد: «تفاحة»، هزَّ رأسه، وكأنه يؤكد ما قالوه. قدَّم لكل واحد فيهم قطعة، وأمرهم ألا يأكلوها، استجاب الجميع، كما أمرهم أن يضعوها أمامهم، يتأملوها، وأن يبدأ كل واحد فيهم برسم قطعته، لكنه لم يكتفِ بذلك، «ما ترسمونه عليه أن يكون مطابقًا لما سأرى قطعتكم عليه، ومن لا يقدر على ذلك فلا يحضر لي درسًا بعد اليوم».

تأمل التلاميذ قطع تفاحتهم، وانقسموا إلى ثلاث مجموعات، مجموعة استسلمت قبل أن تبدأ بالرسم وقررت أن تنسحب، وثانية بدأت بالرسم لكنها استسلمت بعد أن بدأت بالفعل، أما المجموعة الثالثة وهي الأكثر صبرًا والأقل حجمًا، فاستمرت في الرسم ولم تنته منه إلى اليوم.

back to top