الأماكن... مرة أخرى

نشر في 10-12-2019
آخر تحديث 10-12-2019 | 00:09
وأنا في تلك الأدغال هز وجداني ذلك النداء الخالد، وهو يعلن حلول موعد صلاة الظهر بلكنة إفريقية ولحن رخيم، تلفتّ حولي فرأيت أحد الشباب بسحنته الإفريقية وثوبه الأبيض، وما كاد ينتهى من الأذان حتى رأيت النساء والأطفال والرجال من مختلف الأعمار قادمين للصلاة.
 يوسف عبدالله العنيزي بعد المقال السابق بعنوان "وأيضا الأماكن" طرح العديد من الإخوة والأصدقاء تساؤلات منها: لماذا نراك تغرد حارج السرب، ففي حين نرى الشارع الكويتي مشغولاً بالحديث عن الحكومة القادمة وتشكيلها، ومن يدخل أو يخرج منها ومدى نجاحها، والإنجازات التي من المتوقع تحقيقها، نراك تغرد بعيداً في سرد الذكريات والحديث عن أماكن تصعب زيارتها أو حتى معرفة مواقعها؟

نعم، معهم كل الحق في طرح هذه التساؤلات، وكدت أركن لهذا الرأي، ولكن رداً على تساؤلات الإخوة والأصدقاء أقول: ألا يكفي ما يكتب في الصحف، وما يتم تداوله في المجالس، لتغطية الحدث والتعبير عن الآراء سواء كان سلبا أو إيجابا؟! إذاً لنبتعد قليلا عن الساحة، فالأيام حبلى بالأحداث، ولنأخذ القارئ العزيز بجولة في بعض مناطق العالم.

ففي أثناء لقائي برئيس جمهورية كولومبيا "موريس باسترانا" لتهنئته بفوزه في الانتخابات الرئاسية بادرني بالسؤال عما إذا كنت قد قمت بزيارة مدينة "قرطاجنة "الكولومبية، وعند إجابتي بالنفي أمر مدير مكتبه بإجراء حجوزات السفر والإقامة في فندق شيراتون قرطاجنة، حيث قضيت ما يقارب الأسبوع في تلك المدينة الرائعة، التي تشتهر بسواحلها وأبراجها التاريخية التي أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن "التراث العالمي"، كما تشتهر المدينة بإنتاج الزمرد الأخضر النفيس الذي يعتبر مكوناً في صناعة المجوهرات ذات الماركات العالمية.

ومن أميركا الجنوبية عبوراً للمحيط الأطلسي وصولا إلى وسط إفريقيا، وبالتحديد مدينة "نيامي" عاصمة جمهورية النيجر، وبعد الانتهاء من مراسم تقديم أوراق اعتمادي للرئيس "علي ديبو" كسفير غير مقيم لدولة الكويت لدى ذلك البلد الصديق، سألني مدير المراسم عما إذا كان هناك أماكن أرغب في زيارتها فانتهزتها فرصة، وأبديت رغبتي في زيارة غابات وأدغال قارة إفريقيا التي لم يدخل عليها الإنسان أي تطور أو تغيير.

وبالفعل في اليوم التالي وجدت أمام باب الفندق، حيث أقيم، سيارة جيب مع سائق وأحد الأدلاء لتلك الغابات والأدغال، حيث قمنا بجولة تعد لحظاتها من أجمل لحظات العمر التي لن تتكرر، فرأينا الحيوانات والطيور وكل الكائنات الحية وهي تعيش حياتها الفطرية كما خلقها رب العالمين.

وفجأة وأنا في تلك الأدغال هز وجداني ذلك النداء الخالد، وهو يعلن حلول موعد صلاة الظهر بلكنة إفريقية ولحن رخيم، تلفتّ حولي فرأيت أحد الشباب بسحنته الإفريقية وثوبه الأبيض، وما كاد ينتهى من الأذان حتى رأيت النساء والأطفال والرجال من مختلف الأعمار الذين لا يكاد يستر أجسادهم إلا القليل من الثياب يخرجون من بين تلك الأدغال، فطلبت من السائق التوقف.

وتوجهت لذلك الشاب الذي أخذ ينظر للسماء وموقع الشمس لتحديد جهة "القبلة"، ثم أقام الصلاة وقد اصطف الجميع في سكون وخشوع فطري، وأخذ ذلك الشاب يقرأ بعض آيات القرآن بصوت يهز الوجدان ويأسر الأفئدة، وما إن انتهت الصلاة حتى حمل ذلك الجمع على أكتافهم كل ما يملكونه من متاع الدنيا، وغابوا بين تلك الأدغال.

جلست بعدها بجانب ذلك الشاب وسألته: أين حفظ القرآن الكريم وتجويد قراءته؟ فأفاد بأنه درس في المدينة المنورة على نفقة إحدى الجمعيات الخيرية الكويتية، وفي اليوم التالي قمت بزيارة "الجامعة الإسلامية" التي تبعد عن العاصمة "نيامي" نحو الساعة، وقد سعدت بلقاء مديرها وبعض أعضاء هيئة التدريس، وإلى رحلة قادمة بإذن الله.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top