حلقة مفرغة في سورية

نشر في 20-11-2019
آخر تحديث 20-11-2019 | 00:00
 ريل كلير يجد البنتاغون صعوبة كبرى في تبرير قراره الأخير إبقاء القوات الأميركية في سورية، فعلى المستوى الرسمي أعلن أن هذه الخطوة ستمنع عودة "داعش" المحتملة، لكن لا يهدف هذا القرار حصراً إلى إبعاد تنظيم "داعش" المفكك، فبنظر واشنطن يبقى منع موسكو ودمشق من السيطرة على حقول النفط في دير الزور على رأس الأولويات، كذلك لطالما دعا مؤيدو استعمال القوة ضد إيران في إدارة ترامب إلى نقل القوات الأميركية إلى شرق سورية لاستعمالها كدرع ضد توسّع نفوذ طهران في البلد. وصرّح عمر أبو ليلى، ناشط وصحافي في دير الزور، لمجلة "ناشيونال إنترست" بأن فريق المبعوث الأميركي الخاص جيمس جيفري طمأنه منذ أشهر إلى أن الولايات المتحدة لن تغادر المنطقة إلا بعد تحرير سورية من القوى المدعومة من إيران.

هذه القصة مألوفة! أعلن ترامب انسحاب القوات الأميركية للمرة الأولى في ديسمبر 2018، لكن بدل إعطاء قائدها خطة للانسحاب بشكلٍ منظّم وبحسب الشروط الأميركية، تصرف أعضاء جهاز الأمن القومي وكأن قرار الرئيس لا أهمية له. تابعت واشنطن إطلاق وعود غير واقعية للأكراد حول بقائها في شمال شرق سورية لأجل غير مسمّى، كما ضغطت عليهم لتدمير تحصيناتهم بالقرب من الحدود مع تركيا ودعتهم إلى عدم عقد أي صفقة مع موسكو ودمشق.

يقول آرون شتاين من "معهد أبحاث السياسة الخارجية" إن هذه المحاولة للتحايل على أوامر الرئيس بالانسحاب من سورية ساهمت في تأجيج الأزمة الراهنة. اكتشفت واشنطن وشركاؤها في "قوات سورية الديمقراطية" أنهم غير مستعدين بالكامل للتعامل مع الهجوم التركي في شمال شرق سورية، مع أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن منذ فترة طويلة أن هذه العملية مرتقبة. وحين أطلقت أنقرة أخيراً "عملية نبع السلام" في 10 أكتوبر، اضطرت القوات الأميركية للانسحاب تحت النيران التركية وقصف قواعدها القديمة أثناء رحيلها.تجازف الولايات المتحدة بمواجهة أزمة مماثلة إذا قررت البقاء في سورية، وتطرح منطقة دير الزور مخاطر كبرى على القوات الأميركية، لطالما تمنى نظام الأسد أن يسترجع حقول النفط فيها (هي من أكثر الحقول تحقيقاً للأرباح في سورية) لتمويل عملية إعادة الإعمار بعد الحرب. قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2011، أنتجت حقول دير الزور حوالى ثلث نفط البلد.

لكن هل تستطيع دمشق إطلاق هجوم على القوات الأميركية في دير الزور؟ يذكر تقرير جديد على موقع Real Clear Public Affairs أن "تعدد أوجه الحرب الأهلية السورية وضبابية الحرب عموماً يمهدان لاشتباكات غير مقصودة أو مناوشات محدودة قد تطلق صراعات على نطاق أوسع". لا شك أن قرب المسافة بين القوات الأميركية والسورية يطرح مخاطر متعددة.

ستكون أي خطوة مماثلة رهاناً كبيراً للأسد حتماً، لكنّ هذه الظروف مألوفة، ففي فبراير 2018، صدّت القوات الأميركية و"قوات سورية الديمقراطية" هجوماً أطلقته قوات الحكومة السورية والقوات شبه العسكرية الروسية على حقل نفط "كونوكو"، بالقرب من دير الزور،ن وجحت الولايات المتحدة حينها في إطلاق هجوم محدود، لكنها ستجد صعوبة أكبر في هزم الهجوم المتواصل الآن.

في نهاية المطاف، من سيكون شركاء الأميركيين المحليون في دير الزور؟ صحيح أن "قوات سورية الديمقراطية" وافقت على الانضمام إلى القوات الأميركية لحراسة حقول النفط غداة العملية العسكرية التركية، لكن تبقى إمكاناتها محدودة جداً وتضعف ثقتها بواشنطن مع مرور الوقت. كذلك، أطلق السكان العرب في المنطقة احتجاجات معادية للأكراد، ومن المتوقع أن يؤدي هذا الحدث إلى تراجع فاعلية "قوات سورية الديمقراطية". أمام هذا الوضع، ستضطر الولايات المتحدة للاتكال على "مجلس دير الزور العسكري" لتلقي الدعم، علماً أنه واحد من أسوأ فصائل المتمردين وأقلها انضباطاً. في 13 أكتوبر، طرح ترامب فكرة صائبة، فأعلن انسحاب جميع الجنود الأميركيين (ألف عنصر) من سورية، لكن احتاجت إدارته إلى أسبوع واحد فقط كي تغيّر مسارها بالكامل، وفي 21 أكتوبر أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أن الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها العسكري في دير الزور، وبحسب بعض التوقعات الأخيرة، قد يصل مجموع الجنود الأميركيين في سورية بعد قرار "الانسحاب" الصادر عن ترامب إلى 900 عنصر.

هكذا وضعت الولايات المتحدة نفسها في موقع الدفاع في سورية، ويجب أن تصمد أقل من كتيبة كاملة من القوات الأميركية في وجه عدد من الأعداء في أرض بعيدة عن أي قواعد صديقة، ويبدو التحالف المحلي الذي يدعمها مفككاً ومن المستبعد أن يكون فاعلاً في ساحة المعركة. لقد انتهت العملية العسكرية التركية، لكن عاصفة أخرى تلوح في الأفق.

* «ديمتري سيمز»

back to top