على أوروبا أن تُوسّع دورها لفرض قوتها!

نشر في 06-11-2019
آخر تحديث 06-11-2019 | 00:00
 إي يو أوبزرفر في شهر مايو من هذه السنة، عنونت مجلة "لوبوان" الفرنسية الأسبوعية على صفحتها الأولى: "حين سيطرت أوروبا على العالم (ولماذا لم تَقُل كلمتها الأخيرة بعد)".

هذا الرأي شائع على نطاق واسع ونادراً ما يعبّر عنه الناس علناً، لكن يبدو أنه وصل إلى مرحلة الطباعة أخيراً! من الواضح أن أوروبا التي عرفناها في العقود الأخيرة لم تعد موجودة، فهي تحاول أن تعيد ابتكار نفسها وتبحث عن مكانة جديدة لها في عالم متبدّل وشاق، وفي ظل تصادم القوى العظمى تنظر من حولها وينتابها قلق شديد، ولا شك أنها تتوق إلى تولي القيادة من جديد، لكنها لا تعرف بعد الأسس الفاعلة لتسريع مسارها.

تجد أوروبا صعوبة في مواكبة القوى الأخرى وترسيخ مكانتها بين أهم قادة العالم، ويحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بكل قواه أن يحقق طموحاته الشخصية ويتفوق على ألمانيا، حتى أنه تجسيد حي لهذه الرغبة الأوروبية في استرجاع نفوذ الماضي.

لكن يبرز عائق أساسي أمام هذه المساعي وهو أن لتحقيق الهدف المنشود لا بد من حشد جميع الموارد المتاحة ولا شيء يوحي اليوم بحصول ذلك، بل إن أوروبا بدأت تنكمش، إذ تستعد بريطانيا للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، في حين يتباطأ الجدل حول سياسة التوسع بعدما بقيت محادثات الانتساب مع ألبانيا وشمال مقدونيا نظرية ولم تصبح واقعاً ملموساً.

يبدو أن كل الكلام عن "التعب من سياسة التوسع" والحاجة إلى مراجعة هذه المقاربة لا يتعلق فعلياً بوجود مصاعب أو حدود معينة، بل يرتبط السبب الحقيقي بانعدام الشجاعة لرفع سقف الطموحات، فالرغبة بحد ذاتها موجودة، لكنّ الشجاعة مفقودة.

شهد تاريخ أوروبا بعض المراحل القاتمة، لكن يُعتبر الاتحاد الأوروبي محاولة فريدة من نوعها لإنشاء "إمبراطورية ليبرالية داعمة للخير". صحيح أن الاستعارات المرتبطة بالإمبراطوريات قد لا تبدو مناسبة في العالم الديمقراطي، لكنها تشمل جزءاً من الحقيقة، فلا يمكن أن يصمد أحد في أي إمبراطورية، سواء كانت حقيقية أو مجازية، إذا بقيت جامدة. لذا يجب أن تتوسّع خدمةً لمصالحها الخاصة ومصالح كل من يتكل على نموها.

لا يشتق ضعف الاتحاد الأوروبي من سياسة التوسع، بل من تردده وتراجع ثقته بنفسه، فقد أصبحت الفكرة القائلة إن الاتحاد الأوروبي مشروع سلام في جزء منفصل من العالم بالية، ويجب أن يصبح الاتحاد مشروع نمو وقوة وقِيَم، وإذا نشأ هذا النوع من الاتحاد الأوروبي، فلن تستفيد أوروبا وحدها حينها بل العالم أجمع. لطالما كان التوسّع محركاً لنمو الاتحاد الأوروبي، لكنه يختار عملياً مسار التراجع بنفسه كلما قرر إغلاق أبوابه أمام أعضاء محتملين جدد، كما أنه يكبح نموه حين يعلن أن أبوابه مفتوحة للجميع لكنه يمنع دخول أحد.

أصبح انضمام دول البلقان الغربية مُعَلّقاً اليوم، وتسير ألبانيا وشمال مقدونيا على الخط نفسه، ثم يُفترض أن تليها دول الشراكة الشرقية، أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا، أوضحت هذه البلدان بدورها طموحاتها الأوروبية وبذلت جهوداً كبرى لتحقيق أهدافها.

بدل أن يبتعد الاتحاد الأوروبي عن طموحاته الليبرالية الإمبريالية، يُفترض أن يفرض نفسه ويوسّع دوره ويثبت أنه بمصاف القوى العالمية التي تدعم القضايا المُحقّة في هذا العالم، وهذا هو جوهر القيم الديمقراطية والنظام الدولي القائم على القواعد.

اليوم، يقف الاتحاد الأوروبي وأوروبا عموماً على مفترق طرق حاسم، وإذا أرادت البلدان الأوروبية أن تضمن حصتها من النفوذ العالمي، يتعين عليها أن تحشد مواردها وتستجمع قوتها الفكرية والعسكرية. تحتاج أوروبا إلى تحديث نظرتها عن نفسها كقوة عالمية، بدل أن تعتبر نفسها مجرّد سوق مشتركة، ولا شك أن الاتحاد الأوروبي سيتمكن من منافسة الصين والولايات المتحدة، حالما يستجمع الشجاعة اللازمة لفرض قوته.

حين طرح الآباء المؤسسون للاتحاد الأوروبي نظرتهم عن أوروبا الموحّدة خلال الأربعينيات، اعتُبِروا على نطاق واسع حالمين ومثاليين، لكنهم لم يكونوا كذلك، بل كانوا يمثّلون بكل بساطة معسكر الواقعيين الطموحين في ذلك العصر، وتمتعوا بالشجاعة لاستباق أحداث عقودٍ عدة وأدركوا أن المستقبل ينتمي دوماً إلى الجريئين والطموحين.

هكذا كانت أوروبا في الماضي، ويمكنها أن تصبح كذلك مجدداً، وهذا ما تطمح إليه أوكرانيا أيضاً داخل أوروبا التي تجيد فرض قوتها وتوسيع دورها يوماً بعد يوم.

* دميترو كوليبا

* «إي يو أوبزيرفر»

back to top