حكم الأيديولوجية الجديد في روسيا

نشر في 03-11-2019
آخر تحديث 03-11-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت لفترة طويلة، كانت "البوتينية" موضوعا ساخنا في الغرب، حيث قوبل المصطلح- الذي يصف سياسات وممارسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- بمزيج من الخوف والرفض في عموم الأمر، ولكن بين المنتمين إلى النخبة الحاكمة في روسيا، يُنظَر إلى البوتينية على أنها أيديولوجية معقدة وجذابة، وقد تدوم طويلا بعد رحيل من حملت اسمه.

الواقع أن الأيديولوجية التي تحمل اسم بوتين ليست من بنات أفكار الرئيس بقدر ما ترتبط بمساعده المقرب فلاديسلاف سوركوف، فبصفته كبير "المنظرين الأيديولوجيين" في الكرملين، يُعَد سوركوف تجسيدا عصريا للازار كاجونوفيتش، أحد المساعدين المقربين من جوزيف ستالين والنصير البارز لفكرة الاستعاضة عن اللينينية بالستالينية الأكثر "تقدمية" كحجر زاوية أيديولوجي للاتحاد السوفياتي.

مؤخرا، وصف سوركوف البوتينية بأنها "أيديولوجية فاعلة في الحياة اليومية، مع كل إبداعاتها الاجتماعية وتناقضاتها المثمرة". من منظوره، لا يحتاج الروس إلى الديمقراطية على النمط الغربي، لأن بوتين شيد نظاما يفهم أبناء شعبه- احتياجاتهم، ورغباتهم، وأغراضهم- على نحو أفضل من فهمهم لأنفسهم.

على نحو مماثل، يوافق الفيلسوف الفاشي الـمُجاز من الكرملين ألكسندر دوجين على أن البوتينية ناجحة بسبب أسسها الأيديولوجية، والواقع أن دوجين، المدافع الرئيسي عن الرجعية السوفياتية التي دعمت ضم روسيا غير المشروع لشبه جزيرة القرم في عام 2014، كثيرا ما زعم أن الأيديولوجية تشكل عنصرا أساسيا في بقاء الدولة الروسية، خاصة أن بنية السلطة الروسية الرأسية تفتقر إلى المرونة اللازمة لتحفيز دينامية اقتصادية لا تقل كفاءة عن نظيرتها في الغرب.

وعلى هذا فإن دوجين يزعم أن المفتاح إلى بقاء الدولة الروسية يكمن في قدرتها على الدفع بغاية أعلى، والغاية في حد ذاتها لا تشكل أهمية كبرى: فقد تكون تأسيس نظام ملكي روسي أرثوذكسي، أو استعادة الشيوعية، أو على مستوى الاستراتيجية الكبرى ربما تكون معارضة ما يرى فيه دوجين إمبريالية أطلسية قائمة على البحر في مقابل الأوراسية الجديدة القائمة على الأرض.

ما يهم حقا هو أن النظام لديه جوهر أيديولوجي.

الخلاصة في نظر دوجين وسوركوف أن روسيا، مثلها في ذلك كمثل الاتحاد السوفياتي، يجب أن تكون "أيديوقراطية" (نظام حكم يقوم على الأيديولوجيا) تحكمها أقلية مقدسة تدفع البلاد نحو تحقيق هدف ما غير معروف بشكل كامل إلا لهم.

وليس من المستغرب أن يتبنى هذا المفهوم الساسة من ذوي الخلفية الأمنية والعسكرية الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم "إخوة" من نوع ما، أو ما وصفه ستالين بأنه شكل من أشكال "أخوية المبارزين" أشبه بإخوة السيف في ليفونيا.

البوتينية لا تضمن استمرار هيمنة الساسة من ذوي الخلفية الأمنية والعسكرية فحسب؛ بل إنها تحول أيضا دون المساءلة، وإذا كانت الطبقة الحاكمة هي وحدها القادرة على فهم الغاية الأعلى لروسيا، فإن أعضاءها فقط هم القادرون على تقييم أدائهم، وهم يقررون متى يجب إزالة زملائهم أو استبدالهم، وكيف ينبغي استخدام موارد البلاد، بما في ذلك العمالة، سواء لتعزيز النمو الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة أو لتوطيد وترسيخ الأيديوقراطية.

في ظل البوتينية، ينبغي للناس أن ينظروا إلى انحدار دخولهم الحقيقة على سبيل المثال باعتباره تضحية ضرورية، بل ربما حتى بطولية، وإذا صادر قادتهم معاشاتهم التقاعدية أو زيفوا الانتخابات، فيجب عليهم أن يفترضوا أن هذا يخدم غاية أعلى.

بهذا المنطق، تصبح المطالبة بأن تحترم الحكومة حقوقهم الإنسانية بمثابة تحريض على الفتنة والعصيان.

الواقع أن البوتينية الروسية ليست الأيديوقراطية الوحيدة في العالم، فمن الواضح أن دولا مثل كوبا الاشتراكية وفنزويلا "البوليفارية"، وكذا الجمهورية الإيرانية الإسلامية، مؤهلة لحمل هذا اللقب، أما أيديولوجية الدولة في كوريا الشمالية- التي تؤكد أن كوريا الشمالية يجب أن تظل معتمدة على ذاتها بالكامل ومخلصة لزعيم أشبه بالإله- فإنها تدعم شرعية دكتاتورية أسرة كيم الوراثية.

الواقع أن التاريخ عامر بالأنظمة الأيديوقراطية، ومن أمثلتها الحديثة البارزة بطبيعة الحال ألمانيا النازية، والاتحاد السوفييتي.

وبسبب هذا التاريخ بالتحديد يحظر دستور روسيا أيديولوجية الدولة.

ينص الدستور بوضوح على أن الحكومة موجودة لخدمة احتياجات المجتمع، وليس لتعزيز عقيدة بعينها.

بعبارة أخرى، تُعَد أيديوقراطية بوتين في روسيا غير شرعية بوضوح، لكن هذا لن يمنع أنصارها بأي قدر من الفعالية أكثر مما منعت مذكرة بودابست روسيا من غزو شرق أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.

حتى الآن، لم يقدم سوركوف سوى مؤشرات غامضة للمحتوى الأيديولوجي للبوتينية، والتي يقول إنها ستزداد وضوحا من خلال المناقشات الجارية، غير أن المعالم الأساسية يسهل تخمينها، فهي تشمل معارضة الغرب، وتركيبة من الانعزالية والتوسعية العسكرية، والتضحيات المادية من قِبَل الشعب، واضطهاد المعارضين.

ورغم أن الدستور يؤكد الطبيعة العلمانية للحكومة فإن الدين من المحتمل أن يؤدي دورا متزايد الأهمية.

إن سوركوف رجل دعاية ذكي، وهو يسوق الحجج الداعمة للبوتينية باستخدام مصطلحات أكثر حداثة وعصرية مقارنة بدوجين الأقدم والأكثر ترفعا على المستوى الأيديولوجي، فيسميها "رفسة للحياة السياسية العالمية"، وأيا كان ما يعنيه هذا، فهناك أمر واحد واضح وهو أن البوتينية لن تكون متوافقة مع حكم القانون ولا آمال الشعب الروسي.

* محلل سياسي مستقل يقيم في موسكو، ومؤلف كتاب "دجوجاشفيلي والملحمة الإحصائية السوفياتية".

«دميتري أوريشكين»

back to top