ترامب يكرر أخطاء أوباما في الشرق الأوسط

نشر في 17-10-2019
آخر تحديث 17-10-2019 | 00:00
 نيويورك بوست أوباما وترامب شخصيتان مختلفتان بالكامل بنظر مناصريهما، لكنهما يتقاسمان رغم ذلك الحمض النووي نفسه في السياسة الخارجية، إذ أعلن الاثنان أنهما يعارضان السياسة الخارجية التي تبناها جورج بوش الابن، وما كان أوباما ليتفوق على هيلاري كلينتون على الأرجح في معركة الترشّح عن الحزب الديمقراطي في عام 2008 لو أنها لم تؤيد حرب العراق ولم يعارضها هو في تلك الفترة، كذلك، تفوق ترامب على جميع منافسيه في الحزب الجمهوري في عام 2016 حين عارض الالتزامات الأميركية في الشرق الأوسط.

كان أوباما يمثل اليسار الدولي، في حين يُعتبر ترامب اليوم بطل معسكر اليمين الشعبوي، وتبرز اختلافات سياسية كبرى بين الرجلَين (أقرّ أوباما اتفاق إيران النووي، وانسحب منه ترامب)، لكن حين انسحب ترامب حديثاً من الحدود السورية وترك الحلفاء الأكراد يواجهون الغزو التركي، نفّذ بذلك نسخته الخاصة من الانسحاب المتهور الذي أقدم عليه أوباما في العراق ومهّد حينها لتنامي قوة "داعش". يترافق قرار ترامب مع تكاليف باهظة، منها خيانة الأكراد، وتدهور العلاقة مع تركيا، واحتمال تقديم حبل نجاة لتنظيم "داعش"، وزيادة نفوذ روسيا التي تستطيع استغلال الوضع لتحقيق مكاسب استراتيجية إضافية في المنطقة.

لا تضمن أي حسابات تعادلاً بين إيجابيات وسلبيات الانسحاب لفتح المجال أمام تركيا. كان الوضع سيختلف لو أن الأميركيين سحبوا 50 ألف جندي من سورية بعد سنوات من القتال الشاق، لكنهم اكتفوا في الأساس بنشر عشرات العناصر على الحدود.

وكان الوضع سيختلف أيضاً لو أنهم أعطوا الأتراك الضوء الأخضر لتطبيق مقاربة الواقعية السياسية، مما يعني كسب بعض التنازلات منهم (مثل الامتناع عن شراء نظام مضادات الطائرات الروسي "إس-400")، لكنهم لم يكسبوا شيئاً.

كان مدهشاً بما يكفي أن يؤدي الانسحاب إلى إبعاد الأكراد وتركيا معاً عن الولايات المتحدة.

نظراً إلى العداوة التاريخية بين الطرفين، كان متوقعاً أن يبتعد واحد منهما في كل مرة، لكن أصبح الأكراد بعد التخلي عنهم في قبضة نظام الأسد، وستصبح تركيا عدائية تجاه الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى حين ينهي الكونغرس محاولات معاقبتها على عملية الغزو. على غرار الانسحاب الأميركي من العراق في عهد أوباما، يُعتبر انسحاب ترامب من سورية ردة فعل متأخرة على حرب العراق، ومن الواضح أن أحداً في معسكرَي اليمين واليسار لا يدعم غزو واحتلال بلد آخر من الشرق الأوسط بعشرات آلاف الجنود مجدداً.

لكن ثمة فرق كبير بين حجم احتلال العراق، حين نشر الأميركيون 150 ألف جندي لخوض حرب مكافحة التمرد، والالتزام الأميركي الضئيل في سورية بهدف تشكيل ودعم قوة تتولى المعارك الصعبة ضد "داعش"، فكل من يضع التدخل في سورية والعراق في خانة "الحرب اللامتناهية" لا يجيد رصد الاختلافات.

لا معنى لمعارضة تحرك غير مكلف نسبياً وناجح وفق شروطه الخاصة في سورية (هُزِمت دولة الخلافة التابعة لداعش) لأن حرب العراق استمرت سنوات بكلفة عالية ونتائج مشبوهة. سيكون هذا الموقف أشبه بمعارضة غزو غرينادا لأن غزو النورماندي كلّف دماءً وأموالاً طائلة.

يقضي رد الفعل العسكري الأميركي التقليدي بتحقيق الفوز والانسحاب، لكن حتى أوضح الانتصارات لا تكون مثالية بالكامل إلا في حالات نادرة.

حقق الأميركيون نصراً عسكرياً تقليدياً حاسماً خلال الحرب العالمية الثانية في أوروبا، ومع ذلك يقبع جنود في ألمانيا حتى الآن، كذلك، يُفترض أن تكون حرب الخليج الأولى نموذجاً للالتزام المحدود والصارم، ولكنها أدت إلى فرض منطقة حظر جوي على العراق، ونشوء منطقة مستقلة للأكراد شمالاً، وتواصل الجهود لفرض عقوبات من جانب الأمم المتحدة.

لم يكن أي انسحاب مثالياً بقدر ما رُوّج له، فقد غادر أوباما العراق منتصراً قبل أن يضطر للعودة حين خرج الوضع عن السيطرة، وإذا أراد ترامب إغلاق الملف السوري فقد لا يتمكن من طي الصفحة بهذه السهولة.

* ريتش لوري

* «نيويورك بوست»

back to top