شاهدت لك: المتفائل

نشر في 17-10-2019
آخر تحديث 17-10-2019 | 00:05
 د. أيمن بكر تقوم رواية «كانديد» أو «المتفائل» لفولتير على فكرة بسيطة وهي أن التفاؤل والإصرار على رؤية الإيجابي في الحياة قرار يمكن للإنسان أن يتخذه رغم كل ما يحيط به ويشوشه من قبح وشر، كأنما يقول لنا فولتير: كل شيء موجود وأنت ما تحب وتقرر أن تكونه، وما أجمل أن تكون جميلا وأن ترى الوجود جميلا. هناك من يحترف رؤية السلبيات وإظهارها دون سواها، فتجده دوما يبدأ من النواقص والتشوهات فلا يطرب لشيء ولا يرضيه شيء، فهو دائم الشكوى متصل التذمر أيا كانت الأشياء الجميلة التي يتمتع بها أو تحيط به. وهناك من يكون تركيزه على الإيجابي أكثر من سواه، سواء في ظروف حياته أو في الأشخاص الذين يتعامل معهم وهذا هو المتفائل.

مسرحية فولتير تحكي عن الشاب "كانديد" الذي تربى في بيت خاله الأمير، بعد وفاة أبيه وأمه. ولأن أباه لم يكن من طبقة الأمراء، عانى كانديد في بيت خاله من معاملة أقل احتراما وأكثر قسوة. وحين يكتشف الخال وزوجته قصة الحب بين كانديد وابنتهما، يطردان الشاب من القصر ليبدأ رحلة معاناة لسنوات طويلة لم يساعده فيها سوى تعاليم أستاذه، التي زرعت في قلب كانديد التفاؤل والحب، وبعد معاناة كبيرة في الحياة ينجح كانديد في تحقيق حلمه بالزواج من ابنة خاله بعد أن أنقذها من مصير أسود كانت تعيشه، كما كان سببا في لم شمل الأسرة مرة ثانية. العالم في رواية فولتير على اتساعه لا يستحق عناء الشك وسوء النية، صحيح أنه مليء بالشر والأشرار لكنه مليء كذلك بالخير والخيرين وعليك أن تقرر ما ستراه وتنحاز إليه.

الرواية السابقة يقدمها المسرح القومي على خشبته بعنوان "المتفائل" بطولة سامح حسين وسهر الصايغ وعزت زين وعدد كبير من نجوم المسرح المصري. على مدار تاريخه ينتقي المسرح القومي المصري موضوعاته، كما ينتقي النجوم والمخرجين وصانعي الديكور والموسيقى بعناية، والنتيجة أن ما يقدم على خشبته يحقق دوما حدا مضمونا من الإبداع ودقة التنفيذ. ويكفي القارئ أن يتأمل أسماء الكبار الذين توالوا على إدارة المسرح القومي وآخرهم الآن الفنان الشاب أحمد شاكر، ليدرك أنه كان دوما تحت إدارة فنان مبدع يدقق في المادة التي يتم تقديمها على خشبته العريقة.

عرض المتفائل ممتع منذ لحظاته الأولى حتى نهايته، ويخلو من آفات المسرح التجاري مثل "استظراف" الممثلين الذين يظنون أنفسهم نجوما وخروجهم عن النص، ومثل الاعتماد على الديكور الثابت أو المصور، وخلو العرض المسرحي من ألاعيب الإضاءة، واختفاء عنصر الموسيقى إلى غير ذلك من استسهالات المسرح التجاري الذي لا يبتغي سوى الربح. كل ما سبق من آفات لن تقابله في عرض المتفائل، فالكوميديا مدروسة وقادمة بلا افتعال من داخل الحوار والمواقف، والديكور متنوع ومتناسب مع المشاهد التي تتنوع بصورة كبيرة، وموسيقى الاستعراضات والأغاني وضعها موسيقي موهوب هو الفنان هشام جبر فجاءت معبرة ومتناسبة مع سير الدراما، أما عن الممثلين فمن الواضح أنهم جميعا قد بذلوا جهدا كبيرا لتقديم أفضل ما لديهم، والنتيجة عرض يستحق المشاهدة والتحية.

back to top